أول ملاحظة تتبادر إلى الذهن عند قراءة جبرا ابراهيم جبرا في ترجمته لشكسبير أن السياق اللفظي، أي تسلسل المفردات والمعاني المتركبة بشكل يكاد يكون quot;ذريّاًquot; عند شكسبير، أي quot;السنتاكسquot; Syntax ، لا أقر له في النص المترجم، بل أن جبرا لا يوحي، في كل ترجماته لشكسبير، بأنه واع أصلا بأهمية هذا الأمر. بينما هذا quot;الأمرquot; يكاد يكون جوهر العبقرية الشكسبيرية وبدونه لن نحصل، من كل تلك الكثافة المسلسِلة للمعنى كما في إنبيق سيميائي، لفرط منطقها القياسي، سوى على معان مهلهلة بائسة كما في الترجمة التالية لإحدى سونيتات شكسبير. الحق أن من يتكلم هنا هو جبرا، بلغته الإنشائية اللادقيقة العالية النبرة ndash; كما في قصائد نثره جميعا: والنتيجة التي نستخلصها من كل هذا، لا تعدو أن تكون مفهوم المترجم ndash; الشاعر بذاته عن قصيدة النثر العربية، وكيف يمكن للنثر، وإن كان مترجما، أن يستقطب حركيته وموازياته الإيقاعية ليكون بديلا، تقريبا في أحسن الأحوال عندما يتعلق الأمر بعملاق كشكسبير، يسترفد أقصى ما يمكن ان تحققه quot;لغة الشعرquot; ndash; وهنا، بالضرورة، لغة قصيدة النثر الحديثة وليس هذه القعقعات الكلامية التي تشي، بشكل يدعو الى الرثاء، بمحاولة quot;تعريبquot; وكأن بلاغة اللغة العربية إنما تكمن في كلمات أودعت توابيتها الملائمة منذ أحقاب، مثل quot;حرب ضروسquot; (وهي quot;حربquot; في الأصل، وتسبقها quot;مارسquot; إله الحرب عند الرومان وقد نسيه جبرا) وquot;نيران الوغىquot; وquot;عدو الملأquot;.. وللمقارنة نقدم السونيت التالية quot;سونيت 55quot; مترجمة بأقصى الدقة، سواء في المعنى، والمعاني الأخرى المضمرة، أو quot;المعمار الصوتيquot; وهيكليته:

اقرأ أيضا:

نقد ترجمة شاكر لعيبي لقصيدة شار: السورغ

حول ترجمة فاضل العزاوي لنص دادائي

ترجمة جبرا ابراهيم جبرا:

لا الرخام، ولا أنصاب الأمراء مطليةً بالعَسْجَدِ
ستُعمّر أكثر من هذا الشعر المتين.
بل سيبقى ذكرُك ساطعا في هذي الكلمات
أكثر من حجر يتسخ، ومَرُّ الزمان الأغبرِ يُلوّثُه.
وحين تُحطّمُ التماثيلَ حروبٌ ضروس
وتجتثُّ يدُ النزاع مبانيَ الحجارة من أصولها،
فلن يمزّقَ السيفُ، لا ولن تُحرقُ نيرانُ الوغى
سِجِلَّ ذكراك الذي سيحيا أبدا.
رغم أنف الموت والنسيان عدوّ الملا
ستخطو إلى الأمام، ولمدحك دوما مكان
في أعين الأجيال المقبلة التي
ستسكن الأرضَ حتى تلاقي حتفَها المحتوم.
فإلى يومِ القيامة حين تُبعثُ من ترابك،
في هذا القصيد، ستحيا، وفي أعين العشاق تُقيم.

ترجمة سركون بولص:

لا الرخام، ولا أنصاب الأمراء الموشّاة بالذهب
سيكتب لها أن تدوم أطول من هذا الشِعر المجيد
بل أنّك سوف تشعّ في هذه الأبيات بألق أكثر
ممّا لشاهدة غبراء، لوَّثها الزمان الهلوك،
عندما تُطيح الحربُ المبيدةُ بالتماثيل،
وتقتلع النزاعاتُ من أساسه ما شيّدتُه يدُ الباني،
فلا مارس بسيفه، ولا نيران الحرب الراعفة
ستحرق في لهيبها السجلّ الحيّ لذكراك.
إنّك ستخطو قدماً في وجه الموت
والطغيانِ الذي يمحو كلّ ذكرى؛ فما زال ثمّة مكان
بانتظار مديحك حتّى في عيون الآتين، الذين
يرثّ هذا العالم تحت خطاهم قبل أن يلاقوا حتفهم الأخير
لذا، ستحيا، حتّى انبعاثك يومَ القيامة
في شِعريَ هذا، وتبيتُ في عيون العشاق.

النص الأصلي


LV

Not marble, nor the gilded monuments
Of princes, shall outlive this powerful rhyme;
But you shall shine more bright in these contents
Than unswept stone, besmear'd with sluttish time.
When wasteful war shall statues overturn,
And broils root out the work of masonry,
Nor Mars his sword, nor war's quick fire shall burn
The living record of your memory.
'Gainst death, and all oblivious enmity
Shall you pace forth; your praise shall still find room
Even in the eyes of all posterity
That wear this world out to the ending doom.
So, till the judgment that yourself arise,
You live in this, and dwell in lovers' eyes.

عن مجلة quot;فراديسquot; العدد السادس/ السابع 1993

تنبيه: نشكر الصديق كريم حسونة لارساله هذه المادة للنشر في قسم اخترنا لكم.