الياس توما من براغ: تحول الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش من اسم مجهول نسبيا في الأوساط الثقافية والأدبية التشيكية إلى شخصية أدبية معروفة بعد أن نجحت المختارات الجديدة من شعره التي صدرت باللغة التشيكية عن دار بابيلون للثقافة والنشر في براغ في إثبات وجودها كعمل إبداعي وفي طرق وجدان الأوساط الثقافية التشيكية من خلال كتاب quot; أنا آت إلى ظل عينيك quot; الذي ترجمه الأستاذ برهان قلق بتألق وأيضا من خلال تفاعل بعض الصحافة الأدبية مع هذا الكتاب إضافة إلى quot; التسويق quot; الملفت له عبر مترجمه من خلال مختلف الندوات الأدبية والثقافية ومن خلال إلقاء مختارات من شعر درويش في مسرح نابرادله البراغي وفي مدرسة للغات أو على مسرح ديسك خلال الفعالية الثقافية المسماة quot; الموجة الثانية quot; وغيرها.
وبالنظر لكون شعر محمود درويش يتصف بالإنسانية وشمولية الرسالة وفي نفس الوقت يعكس وبشكل صادق القضية الفلسطينية فان الموكب الشعري المتحرك لمحمود درويش لذي يقدمه برهان قلق عبر مختلف المنتديات يمثل احد أفضل أشكال عرض القضية الفلسطينية على التشيك ولاسيما منهم المهتمين بالشأنين الثقافي والأدبي.
ويؤكد برهان قلق quot;لإيلاف quot; انه حرص على أن تخرج مختارات محمود درويش بأدق شكل لها إلى التشيكية ليس من خلال الترجمة المتأنية والدقيقة لمفرداتها وإنما أيضا من خلال الإبقاء على أجوائها الوطنية والإنسانية بحيث تلامس وجدان المتلقي لها بكل شفافية وفي نفس الوقت تعكس جمال شعر درويش.
وارجع اهتمامه بنقل درويش إلى التشيكية لإعجابه الكبير بشعره وبشخصه كونه رآه منذ الصبا المترافع الأكثر براعة عن قضية عادلة بأسلوب أدبي جميل ومضمون جوهري وأيضا لرغبته بالإسهام بتغيير الصورة النمطية السلبية القائمة عن الإنسان العربي وعن القضية الفلسطينية إضافة إلى علاقة المعرفة والصداقة التي كانت تجمعه مع الشاعر الكبير.
وتؤكد التقييمات المختلفة نجاح المختارات الجديدة من ترجمة شعر محمود درويش في الوصول إلى هدفها الإنساني والثقافي والسياسي وأيضا في جعل محمود درويش يتألق في بلاد التشيك كونها صدرت عن مثقفين مهتمين بالأدب العربي والعالمي وكون التعبير عنها تم في مجلات وصحف أدبية لها رصيدها المرتفع بين القراء وفي الأوساط الأدبية.
فالمستشرق التشيكي المعروف البروفيسور ياروسلاف اوليفيريوس المدرس في جامعة تشارلز في براغ رأى في مقال مطول له نشره في صحيفة ليترارني نوفيني بان الترجمة الجديدة هذه قدمت للقارئ التشيكي شخصية متميزة من الشعراء العرب المعاصرين وان الوطن والطريق هما مفهومان أساسيان في أعمال محمود درويش الشعرية.
ويؤكد البروفيسور اوليفريوس أيضا أن إبداع وحياة درويش يرتبطان ارتباطا وثيقا بقدر وطنه المنكوب ولذلك فان اغلب أعماله هي من النوع الملتزم كما يرى أن القصائد المترجمة هي من نوع الشعر الحر التي تحفل بالتصورات والرموز والاستعارات أما تعبيرات داخله الغنائية فهي مكرسة للحب ولاسيما حبه لوطنه بآلامه وبجراحه وبمعاناته.
من جهته يشير الناقد دينييك فولف في مقال كتبه في مجلة هوست 9 إلى أن محمود درويش هو لاجئ في بلده منذ أن كان عمره ستة أعوام وانه مكان قريته المدمرة تم بناء مستوطنة ومع ذلك فان درويش يختار السلام منذ إصدار قصيدته في عام 1964 المسماة أوراق الزيتون ومن ثم كتابة درويش 25 مجموعة بأوراق بالزيتون كما يقول الناقد.
ويرى أن الترجمة التي قام بها قلق لمختارات من شعر محمود درويش تمثل وثيقة أدبية وثقافية جدية لا تتجنب الأوضاع الأكثر إلحاحية في العالم.
وبالتوافق مع هذا التقييم يكتب فيت كريمليتشكا في مجلة A2 بان محمود درويش ينتمي إلى صنف الشعراء من آفاق الأفضل وانه في المختارات الشعرية المترجمة إلى التشيكية يتم عكس الفكر الفلسفي والشعري له والذي يمكن مساواته بفرانز كافكا وبمؤسسي الرومانسية بروح أدبية الذين صاغوا عصرهم باتجاه الحاضر وأيضا للزمن اللاحق.
من جهتها تؤكد بوهدانا ريويكوفا بان شعر محمود درويش يعكس التوق لتحقيق القيم العامة كالحرية والحياة المشرفة ولذلك فانه كان أيقونة وطنية بالنسبة للفلسطينيين وواحدا من أكثر الشعراء العرب قراءة لشعره في العالم.
محمود درويش سيطل من جديد يوم الخميس القادم في براغ عبر أمسية ثقافية سيتم خلالها إلقاء محاضرة عنه من ثم قراءة مختارات من شعره ثم يتحدث الفنان التشيكي الأمريكي ميلان كوهوت الذي زار إسرائيل والأراضي الفلسطينية مؤخرا وعاد متأثرا بما شاهده من معاناة للفلسطينيين عن سبب إلقاءه حب البازلا على جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل على الأراضي الفلسطينية كما تتضمن الأمسية معرضا للصور عن المرأة الفلسطينية للفنانة الفلسطينية سمر حزبون.