1-
كانت تقترب من نزاعهم الموروث، ضياء يحيط نسيانها، عصافير بحرية تأكل آثار بزوغها، من قسوة الشتاء تتقرح عينيها، من حماقة الصيف، من تجمع القبيلة لفتك عفتها، في ثيابها والنار ترمق نهدها المفتوح كباخرة، بهمسها المخنوق ألقت بأوراقها الخضراء في ساحة الموت، قلت لها لتبدلي الساعة بالرياح التي تحيط بنا، لتتركي الكوة السطحية مفتوحة، أو لتطردي عن عينك لحظة القبة، سنقتل الواحد بعد الآخر.
- كلا، لن أدعهم يدخلون من خلف الجدار والمياه تجف في حنجرتي، آخر ما سمعته منها. في نهاية الغيم الذي غلف نقطة فراقنا.
أسألكَ عن شَريحةِ الحياةِ، لمَ تُملأ القرية باللون الأحمر، أين فروا صغارنا من مطاردة الصواعق؟
لم أر زاوية من الدار خالية من صوتها، فتشت في أدراج روحها، نهار بعد آخر، في المساء الواجم والمساء القانط، متذكراً لوحة رمشها، أصباغها الفائضة، ثم هَرَعَتْ والشظايا ما زالت عالقة بفخذها الشامخِ، لم يكن دمي الفائرِ يَركضُ في منتصف الليل نحو باحة رعبها، جاء فتية الحي والعرق ينضح من جباههم، ألم تروا خفر الحدود، أو الغبار الذي يَطمرُ حاضري؟ كان الصوت في زنزانة الأرق يلتهم خطوط جبهتي. لي ثلاثة أخوة نحروا من العنق إلى العنق.
أسالكَ عن فراغ المعركةِ، عن رماد الكلمة، عن المزق اللحمية التي تطارد عيني، أسألك عن نهاية النفق.

2-
ثم جاءوا جماعة من التتر، لم نألف بحة أصواتهم، ولا الخوذ الحديدة التي تأكل هامتهم في قيظ يتبول منه الحمار الدم الأحمر. نبشوا أولاً في الحفر، أخرجوا منها أكياس معفنة وعظام أموات ألقوا بها أمام شاشات العالم. هي كانت تلبس عباءة سوداء ووجه أبيض، قدمت لهم كؤوس الماء الباردة، ظن منها بأن قلوبهم سترق ولن يدوسوا بأحذيتهم الثقيلة شتلات العنبر التي بالكاد كانت قد غرزتها في حديقة الدار الخلفية. قال لها والدي : لتدخلي وتقفلي من خلفك الباب. عينها المشتعلة من الفزع جابت حيز المنطقة من الألف إلى الياء بحثاً عن شقيقها الذي معه كان قلبها يخفق كجناح فراشة مقطوعة الرأس. بعد عام أو عامين رأيناه في صورة عارياً من وراء قضبان وأمامه كلب تشد عليه جنديةً بيضاء وتكشيرة حمقاء تكشف عن سر رحلتهم نحو الصحارى والينابيع الموهومةِ. منْ قتل نسل الأجناس القادمة ؟ كيف سنخرجه من قبضة الخنزير لوحت لي بعينها التي لا يقرأ أحد غيري أسراها. بعدها، اعتلت الدار لا أدري كيف صرخات من كل جانب :
أين باب النفق؟
أين مدخل النفق؟
أين مخرج النفق؟