قبلَ طلوعها من سريرها ضاحكةً أو في
مزاجها العَكِْر،
بَغدادُ كانت تَمدُ لي يداً من شدة القيظ
لم أفقه خيوطها المتشابكةِ،
في الحال
تَشتَعلُ، تَبرَقُ مع نجم السطوحِ والقببِ،
انعطافة دجلة
مليون زقاق يلتوي
يتألق في الضحى، يرسم فتنة الميدان
وباب المعظمِ
بابها الشرقي، حمائم عشاق مخنوق الهديل
والقبل
النساء تحت مظلات واسعة من الحزن
ينزلن من شارع النهر،
يهمسن للطيف الغريب،
للولد المهاجر نحو خرائط العالم
تراتيل الصلاة والبارات تتقاسم الهواء
كقارئة الكف
سلالة لم تفصح يوماً
عن تواريخ أسلافها، عن أولادها في الحاضر،
عن صبيتها يأتون ربما في المستقبل
شماعة الخوف والخطيئة،
منذ نصف قرن وأنا أجلس بالقرب من
خارطة
بلون ينفتح على
لون اليوم الفائت، تارة بيضاء كالقطن،
تارة سوداء مثل قعر القارب، المشي في
خاناتها المُثقلةِ برائحةِ جلودٌ مُعَفنةٌ،
حوانيتها تغص
بقصاصات
الورق
فنادق
نومها من فوق السطوح بأقوامها
المختلطة
متعتي، وحين سافر صديق
المغامرات نحو فضاء
العالم، ثلة من الربع كانت تحبه، كما الطيور
البحيرة
تجمعت كالحقائب الملونةِ
من حوله، قال منعم لشريف إياك
وضع فراشك بالقرب
من رائحته،
قتيبة دون سبب كان يُلعلعُ بالضحكةِ، أراهم اليوم
الواحد بعد الآخر، كلهم كالطيف في منامي
قد رحلوا وظل من حولي
الفراغ العابث، ألهو كالطفل بالأغلفة،
بأسطوانات الجاز وفلكلور
الأمم، نهاري يمر وينقضي ما بين
مأرب العربات والأكياس المُحَملةِ
بالطعامِ النادرِ، أورزدي باك ومكتبة مكنزي،
وما قاله عني الأخوة الضباط
في مخزن الورق، أصابعه من الذهب، تلم تراب
الخالدين، يأتي كالبرق، دون كلل، يأخذ ويعطي
يشتري الحروف التي لا تقرأ إلا تحت المجهر،
ويبع ما اشتراه البارحة، يبدل ويخلط كل العوالم،
لم نعرف حتى اليوم اسمه، لكنه قد يسكن في باب
الشيخ أو الأعظمية، المؤمن، الشواكة، المسبح أو
قناة الجيش؛ في المساء له عادة: توزيع الأغلفة
بترجماتها
على قاطني المقهى الجائعين أمام مطعم نزار،
ثم يذهب لكي يغط في نومه السعيد، دون هم
بما سيحمله
غد الانقلابات من نافورة الدم، يلهو مع طيور
الحلم ساعة، وساعة ما قبل الفجر يستيقظ وبطاقة
الدخول في يده إلى سينما الخيام، الفردوس، النصر
أو قاعة ركسي.