جورج جحا من بيروت: مجموعة quot;لا تجرح الماءquot; للشاعر السعودي احمد قرّان الزهراني على ما فيها من صور وسمات رمزية كثيرة يجمع بين قصائدها -حتى تلك الوجدانية او التي تقدم الينا على انها كذلك- ما يبدو اقرب الى خطابية مدوية وحضور منبري.ويبدو الشاعر في المجموعة عامة كأنه يشرف على عالم قصائد مجموعته من عل كقائد يراقب ساحة معركة.. يتكلم هنا ويدوي صوته هناك حتى حيث يفترض ان يكون التعبير اقرب الى الهمس بمعناه الفعلي -حيث تقضي الضرورة- وبمعناه النقدي الجمالي الذي اطلقه الناقد المصري الراحل الدكتور محمد مندور خاصة في الحديث عن بعض شعر ميخائيل نعيمة.وقد تأتي ابيات قصائد الشاعر من خلال خطابيتها اقرب الى حشد بلاغي والى نوع من الحساب العقلي او اطلاق الافكار في الوجود لكن ذلك كله يرد غالبا في صور بلاغية ومجازية في شكل خاص وكثير منها اذا اخذ على حدة قد يكون جميلا موحيا.
وعلى ما عند احمد قران الزهراني من جمال في شعره فهو كشاعر لم يستطع ان يذوب في عالم القصيدة او ان يحجب حضوره الشخصي الطاغي باي شكل فني. بل ان الامر يظهر اقرب الى عكس ذلك اي كأن العالم كله قد ذاب في شخص الشاعر واخذ يتحدث بصوته الجهوري. وفي احيان كثيرة بدا الشاعر كأنه غير قادر على السكوت وكأنه في خطاب مستمر امام حضور قد يتحول الى العالم كله في بعض الاحيان.
صدرت المجموعة عن quot;الكوكبquot; وهي فرع لدار رياض الريس للكتب والنشر. وقد جاءت في 127 صفحة متوسطة القطع بغلاف من رسم وتصميم احمد عثمان.حمل الغلاف اقوالا في الشاعر وشعره منها قول لشاعر وناقد مهم هو الدكتور عبد العزيز المقالح. القول الذي حمل قدرا من التعميم هو quot; استطيع القول ان قصائد احمد قران الزهراني ربما بما توافر لها من ملمح استثنائي في استخدام اللغة في التعامل مع جوهر القضايا وجوهر الاشياء يضعه ضمن ابرز شعراء الموجة الاحدث من شعر قصيدة التفعيلة.. هؤلاء الذين يواصلون اصرارهم على اعطاء القصيدة الجديدة تجلياتها العربية وجماليتها الفنية الطالعة من موروث حضاري شديد الغنى والمفتوحة على ثقافات العالم.quot;
استهل احمد قران الزهراني مجموعته بنوع من الحكمة التي تاتي كانها عظة فيقول quot;لا شيء بعيدا الا بقدر عجزنا/ عن الوصول اليه../ ولا شيء قريبا ان لم يكن مناله ممكنا.quot;
اما الاهداء فقد جاء على الشكل التالي quot;للغرباء في اوطانهم/ كسرة خبز/ قطرة ماء/ رداء شفيف/ وفضاء حرية.quot;
القصيدة التالية وعنوانها quot;قصيدةquot; هي محاولات لتحديد القصيدة وقد جاءت اشكال هذا التحديد في قسم كبير منها نوعا من التتابع المنطقي والافكار التقريرية التي اعطاها الشاعر صورا مجازية. يقول quot;القصيدة/ نافذة الروح/ قول الحقيقة في موطن الشك/ صوت الملائكة في غسق الفجر/ طعم الانوثة في مبتدأ الليل/ معنى الطفولة/ سر الغياب -الحضور/ الكتاب المؤجل (وجه الحياة المؤبد...quot;
قصيدة quot;وشاية الغربةquot; على رغم موضوعها الجدير بان يكون لصيقا بالنفس مؤثرا بل محزنا جاءت مغرقة في الخطابية بل في المنبرية. ننظر الى اسطرها فتتهيأ النفس لما هو اقرب الى اجواء ما سمي الشعر الحديث القائم على التفعيلة وتعدد الاوزان والقوافي. وعندما نقرأ نواجه quot;خليليةquot; خاصة جلية وان تكن بعض اوزان الخليل قد خضعت لنوع من علمليات quot; التجميلquot; الحديثة.
يقول quot;مروا على باب المدينة عابرين سبيلهم) يستنطقون سنابل الجوعى/ على وجل/ كأن ملامح الغرباء ليل مجدب/ وكأن ارصفة المدينة/ شرفة للعابرين الى اقاصي الوجد/ موشومون بالحمى/ لهم صوت الخريف/ يرتلون قصائد الموتى وقداس الحياة...quot;
وتنتهي القصيدة على الشكل التالي quot;مدّ عينيك كي تستفيق النجوم/ على اغنيات الصباح/ مد كفيك حتى تحيل التراب/ الى جنة من نخيل مباح/ اسكن الجرح/ نافح عن المتعبين/ ولملم ملامحهم/ من هجير الرياح.quot;
وفي quot;ابواب مشرعة للتأويلquot; تخلص الشاعر من الجاذبية المنبرية ليصف عالما صغيرا بجمال وايحاء دون ذلك الصخب المألوف. يقول في ما يذكر بأجواء quot;سوق القريةquot; لعبد الوهاب البياتي quot;في الممرات شيخ يلملم ما ظل من وجهه/ نسوة لم يثرثرن بعد/ وطفل يداعب اشياءه.../ كوب رديء الصناعة/ سلسلة من ملفات ثبت الهوية/ نمل يخزن قوت الشتاء/ وقول ركيك لساعي البريد المحمل بالاغنيات.../ وجسم غريب كقنينة الحبر/ يرمق حسناء تلمع في خدها قبلة الحب/ في حين يشعل سيجارة بامتعاض لذيذ/ وصف طويل من البائسين ( ارتأوا انهم من فتات الحياة) ويسعون للهجرة الابدية...quot;

رويترز