(2 ـ 2)

زوج خائن و تعرفين حق المعرفة انه يخونك، مالذي يجعلك تستمرين في العيش معه بل وحتى کيف

الأولى

تطيقينه أمامك من دون أن تحسابينه و تدفعينه الثمن؟ سألتها صديقتها و کاتمة اسرارها وهي تتجاذب معها أطراف حديث ذو شجون.
لا ادري لکن أجد أن هناك الکثير من الامور التي تحول بيني و بين إتخاذ موقف حاسم منه، انا حانقة و حائرة و محبطة! أجابتها أمل وهي تسعى جاهدة لإخفاء تعابير وجهها المناقضة تماما لموقفها، رغم انها تمنت من أعماقها لو يصيح بها العالم کله: متى ستتعظين؟
لم تکن أمل تتوقع في حياتها يوما ان تجد نفسها مجبرة على مفاتحة شاب بحبها، وهي التي کانت تخجل من الافصاح عن رغباتها الحقيقية حتى قبالة أهلها.
أحبك يا جمال! قالتها في حضرة الشاب الذي أحبته من أعماقها وکانت تدري أنه يبادلها نفس الشعور لأنها أدرکت بأنها لو انتظرت العمر کله فإنه لم يکن يجرؤ على البوح بمکنونات صدره، لکنها وحبا به إختصرت عليه الطريق و فرشت نفسها أمامه کسجادة حمراء للمنتصرين. لکنه وبدلا من أن يقفز من الفرح أو ان يرد عليها ولو بکلمات مقتضبة، فاجئها بعرق غزير يتصبب من جبينه و دموع تنهمر من عينيه!
يجب أن تتخذي موقفا حديا منه، يجب أن تعلمينه ماذا يعني الوفاء و ماذا تعني الخيانة! قالتها الصديقة التي غادرها قطار الزواج منذ عقد و نصف، ولم تکن أمل اساسا تفکر بأي شئ حولها مثلما تفکر في نقطة واحدة، هل کان جمال يحبها؟ هل کانت نظراته غير العادية تعبر عن حب حقيقي أم مجرد رغبة أو طيش شباب؟ لکنه بکى عندما صارحته بحبها فـماذا يعني ذلك؟ ولماذا نأى بجانبه و اختفى تماما من حياتها عندما تيقن انها تعشقه؟ اسئلة باتت تحير أمل تماما مثل تلك الاسئلة التي طرحتها على نفسها وهي تشهد خيانة زوجها لعلاقة زوجية أخلصت لها من أعماق نفسها و روحها.
أمل! لو بقيت على ذمته فسوف يحتقرك أکثر و سوف تصبحين مجرد قوادة رخيصة في حياته! هذه الکلمات التي قالتها صديقتها بحزم دفعت أمل الى أن ترمقها بنظرة سريعة وهي تتذکر تحذيرات والدتها:(بنيتي، إبتعدي عن هذه الفتاة، فالعوانس عديمات الحظ ودائما نحسات ويجلبن الشؤم، ويتمنين الخراب لغيرهن من النساء المتزوجات).
انه شاب مثالي و نادر في هذه الايام، هکذا خاطبها والدها وهو يصف خطيبها الذي صار فيما بعد زوجها الخائن.
والله ليس له مثيل، انه درة! کلمات سقطت من فم امها التي کانت الدهشة تبدو بوضوح في عينيها وهي تجد أن خريجا جامعيا قد تقدم لإبنتها الخجولة.
لم تکن أمل تفکر بخطيبها الذي أخذ لب عائلتها بقدر ماکانت تفکر في حبيبها جمال الذي کان قد توارى عن الانظار منذ اليوم الذي فاتحته وکانت نيران الحيرة و القلق تأکل أعماقها و روحها وهي تسعى لإيجاد ثمة تفسير لإختفائه المفاجئ متسائلة في سرها فيما إذا کان هنالك ما بين إختفائه و مصارحتها إياه بالزواج؟
هات من الآخر، تتزوجينه أم لا؟ کان الشرر تتطاير من عيون والدها وهو يخيرها بين الزواج أو التعرض لغضبه العارم، وتذکرت کيف أنه کان يثور لأتفه الاسباب و کان ينهال ضربا على أي فرد من أفراد العائلة.
ولم يکن يوم عرسها مشهودا، ولم تکن هنالك أية مظاهر إستثنائية قد رافقت ذلك اليوم الذي يعتبر بالنسبة للفتاة الشرقية أهم يوم على وجه الاطلاق في حياتها، لکنها وجدت نفسها أخيرا وبعد أن يأست من موقف حبيبها جمال ان يقدم على خطوة حاسمة تنقذها من ذلك المصير، لکن جمال کان کلما يلتقي بها يسرع الخطى کي يغيب ليس عنها وانما ليتوارى عن الوجود برمته، لم يکن أمامها سوى الاذعان للأمر الواقع و الذهاب کأي نعجة من نعاج الاضاحي لمذبح زواج الاجبار.
حسنا، إذا کنت تجدين صعوبة في الانفصال عنه بسبب الاطفال، فمن حقك أن تردين له الصاع صاعين و تتمتعي انت أيضا بحياتك! بهذا المنطق بادرتها زميلتها حينما وجدتها مازالت متمسکة ببيت الزوجية، لکن أمل وهي تسمع هذا الکلام، تذکرت کيف أنها ذات يوم و قبل أکثر من سنة کيف قابلت صدفة حبها الاول جمال في سوق المدينة، وکيف انه عرفها و تشبث بها منذ اللحظة الاولى و شرع يکلمها باسلوب کانت تتحرق لو انه قد کان يتمکن من التعبير و لو بنزر يسير منه في عز حبهما:
أمل، أعلم انك تملکين کل الحق في أية مشاعر سلبية أضمرتيها ضدي لموقفي المتخاذل، لکن صدقيني انا و وفاءا لحبنا لم أتزوج لحد الان ولن أتزوج بإنثى سواك أنت، وانا الان مستعد لأن أعمل أي شئ في سبيل حبنا!
يومها ردت عليه أمل بإبتسامة باردة تطل من خلالها مقابر مشاعرها التي صادرتها بوعي و إرادة منها.
أمل، أرجوك أمنحيني فرصة واحدة و دعيني أثبت لك کم أنا أحبك والى أي حد أتمسك بك!
ردته بشئ من الفظاظة وهو يحاول أن يمسك يدها وبادرته:
کلمة جبان أقل ما يقال بحقك، اذهب و حل عني فلم يبق من الامر شيئا لنتحدث عنه!
بل بقي ياأمل، صدقيني بقي الکثير، وان زواجك هذا فاشل من اساسه وسوف تکتشفين ذلك يوما، دعينا نصحح خطئا ارتکبه الاخرين بحقنا!
کان جمال يتکلم يومها بکل رجولة و اباء و تبدو الثقة بالنفس في کلماته واضحة جدا، لکنها رغم ذلك أجابته و بطريقة لم يتوقعها أبدا:
اسمع أيها الجبان المخادع! قلامة من أظافر زوجي لا أبدلها بکل کلامك المعسول هذا.
ولما وجدها تصفعه بهذا الکلام القاسي، سحب ورقة صغيرة و کتب عليها شيئا ما ثم ناولها أياها وهو يتوسل بقوله:
أمل، رجاء أخير، خذي هذه الورقة ان غيرت رأيك بإمکانك الاتصال بي وانا باق لأکثر من سنة أخرى هنا و بعدها سوف أغادر العراق کله.
أعطاها الورقة وتوارى بين زحمة الناس في السوق وقد رأت بريق دموع عصية في مآقيه، لکنها مزقت تلك الورقة رغم أنها قد کانت واثقة تماما من کلامه، لکنها لم تتمکن من التضحية بزوجها الشهم النبيل(کما کانت تتصوره حينها).
رباه لماذا عاد مرة ثانية الى حياتي وقد خلته قد بات مجرد قصة مطوية؟ لکنه قتلني مرة أخرى أيضا و بطريقة أقسى و أکثر إيلاما للروح!
ترى هل سيفسح لي القدر فرصة أخرى و التقي بجمال؟ هذا کان آخر مافکرت به أمل وهي تسمع صوت زوجها يلعلع في عتبة الدار صائحا: أمل.. أمل تعالي بسرعة وابشري، لدي سفرة عمل مهمة جدا جدا و سأغيب خلالها لاسبوع کامل!
وفجأة وجدت الدماء تصعد لعروقها و شعرت بإنقباض شديد في صدرها و جمعت کل شتاتها المبعثر و أرادت أن تصرخ في وجهه وبکل قوة: لا! لکنها و من دون أن تدري لماذا، أحست ببرودة طاغية في أعماقها وکأنها ثلج بدأ بذوبان سريع، ولم تعد فيها رغبة حتى وان تجاوبه ولو بمجرد إيماءة من عيونها.