أدوين ميور (1887 ndash; 1959)
المتاهة
ترجمة وتقديم: عادل صالح الزبيدي

شاعر وناقد ومترجم من مواليد جزر أوركني شمالي اسكتلنده. تزوج من ويلا اندرسن عام 1919 وسافرا إلى براغ ليمكثا أربعة سنوات أصبحت فيما بعد فترة حاسمة في حياة كل منهما إذ كان من ثمارها اشتراكهما بترجمة أعمال روائية لكتاب ألمان إلى الانكليزية أبرزهم فرانز كافكا، فضلا عن تفتق موهبة ميور الشعرية عند بلوغه الخامسة والثلاثين. نشر ميور أول مجموعة شعرية له بعنوان ((قصائد أولى)) عام 1925 تلتها مجموعات عديدة منها ((جوقة الموتى حديثا)) 1926 و((المتاهة))1949 وهي المجموعة التي نترجم هنا القصيدة التي تتصدرها ولعلها أبرز ما احتوته من قصائد. نشر ميور أيضا ثلاث روايات وعددا من الكتب النقدية وسيرة ذاتية مثيرة للجدل بعنوان ((القصة والحكاية)).
توظف قصيدة ((المتاهة)) أسطورة يونانية بطلها ثيسيوس توظيفا حداثيا يتأمل من خلالها الشاعر حالة الإنسان في العصر الحديث في حوار درامي على لسان شخصية مركبة تركيبا معقدا تتداخل فيها أصوات ثيسيوس والشاعر والإنسان الحديث وتتداخل فيها أيضا البنية اللغوية للقصيدة كما في جملتها الافتتاحية التي تستغرق خمسة وثلاثين بيتا من مجموع أبيات القصيدة البالغ ثلاثة وسبعين بيتا وهي جملة تتداخل وتتقاطع وتتلوى، إن صح التعبير، أقسام الكلام فيها لتحاكي بذلك موضوع القصيدة.

المتاهة

منذ أن خرجت من المتاهة
مبهورا بالممرات الطويلة المرددة للأصداء
الارتدادات السريعة العديدة إلى حد أوشكت معه أن أخشى
أنني سأقابل نفسي عائدا عند زاوية ما هادئة
نفسي أو شبحي، فكل ما كان هنالك كان غير حقيقي
بعد أن كفــّت القشة عن الحفيف والثور
سقط ميتا على القشة وبقيتُ أنا
مضرجا بالدم لا أدري حيا أم ميتا
في العدم الشفقي (ربما كنت
روحا تبحث عن جسدها في دروب
الجحيم المعقدة) ndash;- منذ أن خرجت
إلى العالم، الحقول الساكنة الحيية بالأزهار، الأشجار
تأتلق مورقة، التلال الصغيرة الخضر، البحر
السماء وكل شيء يتحرك تحتها
الرعاة والقطعان والأطيار والصغار والكبار
ففي المتاهة لم يكن الزمن معي
كنت قد تهت، كما بدا، ما وراء الشمس والموسم والتغيير
ما وراء السكون والحركة، فلم أعرف
في النهاية إن كنت انتقلت أم بقيت في مكاني، المتاهة ذاتها
دارت حولي على محورها الخفي
وجرفتني بهدوء نحو عدوها
العالم الجميل) ndash;- منذ أن خرجت ذلك اليوم
كان ثمة أوقات سمعت فيها وقع خطواتي
كانت مازالت تطلق أصداءً في المتاهة، وكل الدروب
التي تخترق العالم الصاخب، الشوارع الخادعة
التي تلتقي وتفترق وتلتقي، والغرف التي تنفتح
على بعضها ndash;- وما من غرفة أخيرة ndash;-
سلالم وأروقة وغرف انتظار
تنتظر بفراغ جمهورا عظيما ما
الممرات البحرية السالكة التي تنفتح وتنغلق ثانية
ممرات لا يمكن اكتشافها، لا يمكن فك مغاليقها
طرق فوق الأرض وأنفاق تحت الأرض
ودروب طير في السماء ndash;- بدت كلها جزءا
من متاهة عظيمة، ثم تعثرت
في عمىً مفاجئ، أسرعُ، أكاد أركض
كأن المتاهة ذاتها تلاحقني
وعليها أن تمسك بي في الحال. لكنني قلت لنفسي
بعد تفكــّر: quot;لا حاجة أن تسرع. هذه
هي الأرض الصلبة الطيبة. كل الطرقات تمتد أمامك حرة.quot;
لكن روحي السيئة ردت ساخرة: quot;كلا، لا تسرع.
لا حاجة أن تسرع
الإسراع والتأخر سيان
في هذا العالم الواحد، إذ ليس ثمة مخرج، لا مخرج أبدا
لا مكان تأتيه وسوف تنتهي إلى حيث أنت
في أعماق قلب المتاهة التي لا تنتهي.quot;
لن أقدر أن أحيا إن لم يكن ذلك وهما
انه عالم، ربما، لكن ثمة عالم أخر
فذات مرة في حلم أو غيبوبة رأيت الآلهة
كل يجلس فوق جزيرته الجبلية
بينما تبحر السفن الصغيرة تحته
جموع من الدمى تمتلئ بها الموانئ، الرعاة يسوقون
قطعانهم الصغيرة نحو المراعي، وحفلات الأعراس
تتواصل في الأسفل، أعياد ميلاد وحفلات متواضعة
حرث وحصاد وحياة وممات
وكل شيء مسموح به، كل شيء مقبول
واضح وآمن كما في حلم شفيف
إلا أنهم، أي الآلهة، مهيبين ووضائين مثل السحب،
كانوا يتحادثون وسط الضجيج بأصوات هادئة
في أعالي السماء فوق البحر الرائق
وكان حوارهم الأبدي سلاما
حيث الأشياء هذه كلها نسج، وحياتنا هذه
خيط في خضم ذلك الحوار
مثل نطق سهل لكلمات متوائمة
مقاطع لفظية عفوية تتشكل عالما.

ذلك كان العالم الحقيقي؛ لمسته ذات مرة
والآن سأعرفه دوما. لكن الكذبة،
المتاهة، صحراء الزيف التي تشبه غابة برية، الدروب
التي تمتد وتمتد ولا تصل إلى نهاية أبدا
مظللة بالإثمmdash;كنت سأحبس هناك فيها
إلا أن لروحي تلك أجنحة فتطير حرة.

يا لتلك الحيل الخادعة تكاد تكون بقوة الحياة.
ليلة أمس حلمت أنني كنت في المتاهة
واستيقظت قاطعا شوطا بعيدا فيها. لم أعرف أين.