إعداد عبدالإله مجيد: تُعرض على مسرح نوفيلو في لندن ولغاية 10 نيسان/ابريل 2010 رائعة تينسي وليامز quot;قطة على سطح صفيح ساخنquot; من اخراج ديبي الن وبطولة الاميركيين جيمس ايرل جونز بدور الأب وفيليسيا رشاد بدور الأم وممثلين آخرين بريطانيين في انتاج جديد جميع ممثليه من الفنانين السود رغم ان احداث المسرحية تدور في ضيعة جنوب الولايات المتحدة ابطالها افراد عائلة بيضاء بلا لبس. ولكن الخروج عن النص الأصلي ليس جديدا على مسارح لندن بعدما قدمت عطيل ببشرة بيضاء وهاملت مؤنثا.
انتقلت المسرحية بحلتها السوداء الى لندن بعد النجاح منقطع النظير الذي حققته على مسارح برودواي منذ عام 2008. ولكن جونز ورشاد هما الوحيدان الباقيان من الطاقم الاميركي الأصلي.
عندما نشر تينسي وليامز مسرحيته في عام 1955 وأخرجها ايليا كازان في العام نفسه قال احد النقاد ان في مسرحية quot;قطة على سطح صفيح ساخنquot; من المرارة والسخط والغضب والحنق والنذالة حتى ان الخريف بأشجاره العارية واجوائه المكفهرة يبدو ربيعا زاهرا إزاءها. فكل شخصية من شخصيات المسرحية الرئيسية معطوبة وذات صفات تعمَّد تينسي وليامز ان تكون حائلا دون دخول اي منها الى قلوب الجمهور بالكامل. ويصح هذا على الابن البكر وزوجته الطامعين بميراث الأب كما على الابن الأصغر السكير الذي حكم على نفسه بالاغتراب عن العالم بعدما كان شابا رياضيا ، وفظاظة الأب مع زوجته التي تتصاعد كأنها نبتة متعفنة عندما يعلم ان الاختبارات الطبية اظهرت انه سالم من مرض السرطان. ولكن حظه المنكود شاء أن تكون سلامته من المرض وهما. وفي حين كان افراد العائلة الآخرون يعرفون ذلك ويتنافسون على تملقه قبل رحيله عن الدنيا ، فان الأب والأم ظلا يعيشان في غفلة هانئة عن الموت المتربص به.
غني عن القول ان مواطن الخلل هذه هي ما يجعل شخصيات تينسي وليامز حالات انسانية وذات مصداقية بامتياز. وإذ تجري كل احداث المسرحية في غرفة واحدة ذات اجواء خانقة في ولاية مسيسيبي وفي الزمن الحقيقي فان تفاعل الشخصيات المترع بالألم والأذى واحيانا برقة مؤثرة هو ما يدفع المسرحية الى نهايتها بتوتر يكاد يلمسه المشاهد لمس اليد. وما تصوره المسرحية من تشبث مستميت بالحياة والحاجة الى الحب وما بينهما من أكاذيب وبرم وحقائق مرة كلها تجعل حكايتها حكاية الانسان بصرف النظر عن العرق ولون البشرة. وتقول فيليسيا رشاد بطلة المسرحية في مقابلة صحفية انها عندما كانت شابة لاحظت وجود حنفيات عامة لماء الشرب بعضها مخصص quot;للملونينquot; والبعض الآخر quot;للبيض فقطquot; وفكرت مع نفسها quot;يا تُرى كيف يكون مذاق الماء الذي يشربه البيض. فقررتُ ان اكتشف ذلك بنفسيquot;. واستجمعت رشاد شجاعتها وتوجهت الى ينابيع الماء المخصصة للبيض وتذوقت ماءها quot;فعرفتُ ان الانسانية خدعت نفسها لأن مذاق الماء واحدquot; هنا وهناك.
رشاد تصف العنصرية بأنها quot;خدعة تلعبها الانسانية على نفسها وتسبب معاناة للجميع لا سيما لاولئك الذين يظنون انفسهم فوق الآخرينquot;.
كتب ادوارد اولبي في تقديم quot;قطة على سطح صفيح ساخنquot; بطبعتها الصادرة عام 2004 ان شهرة التنقيحات التي اجراها تينسي وليامز على المسرحية تضاهي شهرة النص النهائي. واشار كاتب quot;من يخاف فرجينيا وولف؟quot; في مقدمته الى ان تينسي وليامز كان معروفا بعودته الى مسرحياته للتلاعب بنصوصها بعد فترة طويلة على كتابتها ، وكان شغوفا بكل نصيحة يتلقاها خلال البروفات لتعديل النص الذي يشتغل عليه الممثلون. ولذا ليس من المستغرب ان تكون هناك نصوص متعددة لمسرحية quot;قطة على سطح صفيح ساخنquot; التي كتبها تينسي وليامز في عام 1955 ، والنسخة التي اقنعه ايليا كازان بإعدادها للاخراج المسرحي في العام نفسه ، ثم ما يُسمى نسخة quot;الحلquot; التي ابقى فيها وليامز على بعض quot;التحسيناتquot; التي اقترحها كازان ورفض أخرى.
وعن تينسي وليامز نفسه يقول اولبي انه quot;شاعر المسرح الرومانسي على غرار لوركا ولكن القوة الدافعة في عمله ليست الاستعارة بقدر ما هي الالتصاق بالواقع ، والأهم من ذلك صدقيته. ان مسرحيات تينسي وليامز جميلة بنصها المقروء وجميلة بشكلها المرئي ـ إذا أُحسن أداؤهاquot;.
وينبه اولبي الى ان الضغوط التي يتعرض اليها الكتاب المسرحيون لتعديل اعمالهم ـ على حساب النص في احيان كثيرة ـ بما يلبي متطلبات الانتاج المسرحي ، تستحق دراسة منفصلة. ويكفي القول ان الضغوط التجارية لتحويل المسرحيات الى نصوص بلا اسنان ـ وبالتالي بلا معنى ـ تتزايد مع اشتداد وطأة الاقتصاديات التي تتحكم بالنشاط المسرحي.
حققت quot;قطة على سطح صفيح ساخنquot; في برودواي اكثر من 14 مليون دولار في 20 اسبوعا من العروض ، والآمال عريضة على موسمها الحالي في ويست ايند في لندن. ورغم الاستعاضة عن بعض ممثلي العروض التي قُدمت في برودواي بممثلين بريطانيين فان قوة الجذب الرئيسية ما زالت موجودة ببقاء جيمس ايرل جونز. وفي هذا الشأن يكتب الناقد مايكل بيلنغتون في الغارديان quot;ان جونز يعطينا كل الفظاظة الوحشية والابتذال البركاني لهذا الملاك وضيعته في مسيسيبي.... ولكن تألق ادائه يكمن في الكشف عن ضعف هذا المستبد في منزلهquot;. ويلاحظ هنري هيتشينغنز في صحيفة ستاندارد ان quot;جونز يستأثر بالاهتمام.... فهو يحوُّل كلمة بسيطة مثل quot;إخرس!quot; الى عمارة باروكية وينقل بصوت رخيم قَرَفه من رائحة الخداع النفاذة الكريهة التي تهب على أرضهquot;.
ويعلق بول تايلور في الاندبندنت يقول quot;انك تصبح مستغرقا بالعناصر الكونية في القصة بحيث تكاد تنسى تماما لون بشرة الممثلينquot;. بعبارة اخرى ان المسرحية من الروعة بحيث ان فكرة المخرجة باستخدام ممثلين سود فقط لا يعود لها أثر. وعلى المخرجة ان تكون فخورة بذلك.