إعداد عبدالله كرمون من باريس: لا يمكن أن نتوقع من الذي داوم على قراءة كتب مالارميه، بودلير ورامبو، إلا أن يكون مهووسا بجمال الأدب وسحره، بل بقوته وسيطرته على الفنون الأخرى. لم يخلد رومير إلى هذه الرغبات في بدء حياته الأدبية والفنية فقط بل ظلت هي ديدنه حتى في تقدمه الكبير في السن.
ولد جان ماري موريس شيرر، الذي اتخذ له لقب إريك رومير فيما بعد وعرف به، سنة 1920 بمنطقة الكوريز وبالضبط بتيل. درّس الأدب، ونشر روايته الأولى سنة 1946 وسماها quot;إليزابيثquot;، مع العلم أنه لم يوقعها باسمه الحقيقي، إذ نشرها تحت اسم جيبير كوردييه. ولم يكن الأمر غريبا لديه إذ كان ولوعا بالأسماء المستعارة على طول مشواره الفني الغني. أدار المركز السينمائي المتواجد زقاق دانتون بالحي اللاتيني منذ بداية الخمسينيات، حيث التقى بمعظم من سوف يصيرون فيما بعد رفقاءه ضمن الموجة الجديدة في العالم السينمائي. كما ترأس تحرير مجلة quot;دفاتر سينمائيةquot; المعروفة منذ سنة 1957 حتى سنة 1963. في الوقت الذي كان يتميز فيه عن أقرانه أمثال تريفو، شابرول وغودار، سواء فيما يخص الدقة والتحليل الرصين اللذين يتمتع بهما. لا تذكر أفلامه القصيرة الأولى التي أنجزها في بداية الخمسينيات. إلى أن ظهر فيلمه quot;برج الأسدquot;، الذي لم يجد موزعا في الحقيقة إلا بعد ثلاث سنوات، عندما خلق رومير شركة إنتاج خاصة به صحبة بارييه شرود. وقد دار هذا الفيلم حول شخص أصبح مفلسا بين عشية وضحاها، إذ سعى إلى السرقة مثلما اضطر لأن يقتات مرغما من مزابل الحي واحتسى الخمر مباشرة من فم القناني. لم يعرف رومير إلا بعيد النجاح الذي حققه فيلمه quot;ليلتي في بيت مودquot; سنة 1969. وقد اختلف لحظتها فنه السينمائي مع آخرين أمثال آلان رونيه الذي انصرف إلى طرق مخالفة تماما.
يمكن تقسيم مجمل أعماله إلى ثلاثة أقسام:
أولا: حكايات أخلاقية وتتضمن ما يلي من أفلامه:
_quot;خبازة مونصوquot; 1962
_مشوار سوزان 1963
-ذات النزوات الكثيرة 1967
-ليلتي في بيت مود 1969
-ركبة كليير 1969
_الجنس ما بعد الزوال 1972
ثانيا:
الكوميديا والأمثال
-زوجة الطيار 1981
-الزواج السعيد 1982
-بولين على الشاطئ 1983
-ليالي اكتمال القمر 1984
-الشعاع الأخضر 1986
-صديقة صديقتي 1987
ثالثا ما أنجزه خلال التسعينيات.
بغض النظر عن هذه الأفلام كلها فقد وضع رومير أفلام أخرى، انطلاقا من أعمال أدبية مهمة سواء كانت ألمانية من قبيل رواية كلايست أو فرنسية كلاسيكية. مثلما اهتم بوضع أفلام أخرى حول الثورة الفرنسية وكذا في العلاقة مع بريطانيا ثم فيما يخص الحرب العالمية الثانية. يبدو مع ذلك، نظرا لغزارة إنتاجه بأن الأمر كما قال ما نديلبوم هو ثمرة خليط عجيب بين مبدأين متناقضين لديه هما: الحكمة والجنون. لا يمكن أن نغفل ما تشكله سينما رومير من حرية وإيروسية خلاف ما يظهر حينها. إضافة إلى كل الأفكار التي تتناولها أفلامه حول الحب والعلاقات الممكنة بين الرجل والمرأة. فإن كان رومير يتناول التجارب الباريسية وحدها، بل الجوانب البورجوازية منها، فإنه لم يسلم من الانتقاد الممكن، لأنه لم يعمد في أفلامه قط إلى الحديث عن الفقراء والهامشين ومن يعانونه في مجتمعنا. إذ ظل مقتصرا على تناول بعض الموضوعات الخاصة دون أن ينتبه إلى المعضلات الشائكة الأخرى! صحيح أنه لم يفته أن يتصل بالأدب الكلاسيكي.
سعى إلى تقديس كل الكتابات الأدبية الهامة. كما أنه قد أنجز أهم أفلامه انطلاقا من نصوص أدبية هامة ومعروفة. ظل الرجل مع ذلك صامتا، لا يرغب في صخبٍ. همه الكبير أن يقي نفسه من الضجيج الذي لا يحبه البتة. لأنه لا يرغب أن تعرف أمه أنه يشتغل في المجال السينمائي، ولم يظهر على الشاشة إلا بعد وفاتها.
عمل مع ممثلين شبان لم يكن لهم شأن من قبل، وكان أول من يعمد إلى هذا الأمر ضمن المشتغلين في مجال السينما الفرنسية إلى يومنا.
أدخل إلى عالمه السينمائي ممثلين شباب، وشجعهم ما لم يكن يستطيع أحد فعله من دونه، أمثال فبريس لوكيني. كما أنه انشغل بموضوعة المرأة وبالمشاريع المتعلقة بها.
وقبل أن تذبل شعلته، إذ ظل أسبوعا في المستشفى، طالب رومير بقلم وورقة كي يكتب!