ارثر ميلر وايليا كازان

اعداد عبدالاله مجيد: يُفتتح في الرابع والعشرين كانون الثاني/يناير على مسرح كورت في برودواي العرض الأول لمسرحية آرثر ميلر quot;مشهد من الجسرquot; بإنتاج جديد من اخراج غريغوري موشر.
كتب ميلر مسرحيته الشهيرة في عام 1955 بوحي من حادث مأساوي. ففي عام 1947 عندما كان ميلر يعمل على تجميع مادة بحثية لكتابة نص مسرحي في حي بروكلين في نيويورك سمع قصة ذكَّرته بحبكة مأساة اغريقية. فان عامل ارصفة اميركي من اصل ايطالي في ميناء نيويورك أبلغ السلطات عن وجود اثنين من المهاجرين غير الشرعيين كان يؤويهما في بيته. وشى العامل بهما لكي لا يتزوج احدهما من شقيقته. وبذلك يكون العامل الاميركي ذو الأصل الايطالي خرق قاعدة غير مكتوبة تحرُّم الوشاية. نُبذ الواشي وطُرد من دائرة الأصدقاء والمعارف ثم اختفى بلا أثر. وأُشيع ان احد المهاجرين اللذين غدر بهما قتله.
بعد مرور ثماني سنوات عندما طُلب من ميلر ان يكتب العرض الافتتاحي لأمسية من مشاهد مسرحية منفردة، جلس في مكتبه وبعد عشرة ايام قدم النسخة الأولى من مسرحية quot;مشهد من الجسرquot;. وأصبحت المسرحية التي عاد اليها لاحقا لتوسيعها وتنقيحها من أكبر اعماله.
ما حدث بين 1947 عندما سمع حكاية عامل الميناء الواشي و1955 عندما كتب المسرحية، كان فترة حافلة في حياة ميلر. إذ التقى مارلين مونرو وأقام معها علاقة تقول كايت تيلور في صحيفة نيويورك تايمز انها دمرت زواجه وأفهمته معنى ان يكون المرء أسير عاطفة متقدة تنسيه كل ما حوله. وفي عام 1952 انهار المخرج ايليا كازان أمام لجنة مكارثي فوشى باسماء قال ان اصحابها ذوو ميول شيوعية، في موقف استنكره ميلر وانهى عمليا صداقتهما. وكان كازان أخرج مسرحية ميلر الأولى quot;كلهم ابنائيquot; ومسرحية quot;موت بائع متجولquot; التي نال عليها ميلر جائزة بولتزر.
رغم ان مسرحية quot;مشهد من الجسرquot; خالية من الايحاءات السياسية المباشرة فان العديد من النقاد ذهبوا، بعد العرض الأول في ايلول/سبمبر 1955، الى ان بطل المسرحية ايدي كاربوني يمثل الوشاة والمخبرين بصفة عامة.

مشهد من المسرحية
يقول كريستوفر بيغسبي مدير مركز آرثر ميلر في جامعة ايست انغليا وكاتب سيرة جديد لحياة ميلر صدرت في الولايات المتحدة العام الماضي ان ميلر لم يكتب ادانة مبسطة لفعل الوشاية بل انه في شخصية ايدي كاربوني quot;يقدم الواشي لا بوصفه جرذا حقيرا بل بطلا مأساوياquot;. ويقول موشر مخرج المسرحية في انتاجها الجديد الذي يُعرض هذا الشهر ان الوشاية في مسرحية ميلر quot;فعل خيانة ذاتيةquot; لأن ايدي كاربوني يفقد احترام المجتمع الذي يعيش فيه ويفقد احترامه لنفسه.
عندما افتُتحت المسرحية في موسمها الأول قارنها الناقد اريك بنتلي حينذاك مع فيلم quot;على رصيف الميناءquot; من اخراج كازان وتمثيل مارلون براندو. فالوشاية في المسرحية فعل شرير مدان في حين يصورها الفيلم موقفا quot;شريفاquot; عندما يقف البطل امام لجنة حكومية للادلاء بشهادته. وكان كاتب سيناريو الفيلم باد شولبرغ مثل أمام لجنة مكارثي بوصفه quot;شاهدا ودياquot; واعترف كازان في مذكراته بالتماهي مع قصة شولبرغ للفيلم بعدما نبذه اصدقاؤه ومنهم ميلر بسبب افادته امام اللجنة نفسها.
كانت العلاقة بين quot;مشهد من الجسرquot; وquot;على رصيف الميناءquot; أشد تعقيدا ـ احداث كلا العملين تدور بين عمال موانئ. وتشير الناقدة كايت تيلور الى ان شولبرغ اعلن انه كتب سيناريو الفيلم بصورة مستقلة ولكن قصة quot;على رصيف الميناءquot; تحمل اوجه شبه كبيرة بنص كان ميلر يعمل عليه عام 1947 بعنوان quot;الخطافquot; عندما سمع حكاية عامل الميناء مع المهاجرين.
أراد كازان ان يخرج quot;الخطافquot; للسينما وسافر مع ميلر الى لوس انجيليس في عام 1951 لايجاد ستوديو يتبنى النص. وباءت الرحلة بالفشل مهنيا. فالنص الذي كتبه ميلر يتناول تفشي الفساد في الموانئ الاميركية وعندما طلب رئيس شركة كولومبيا للأفلام هاري كوهن تغيير النص للايحاء بأن الشيوعيين أخطر على العمال من نقاباتهم الفاسدة، رفض ميلر ولم يُنتج quot;الخطافquot;.
خلال وجودهما في هوليود تعرف ميلر بواسطة كازان على مارلين مونرو التي كانت في بداية حياتها السينمائية. سُحر ميلر بها وعاد خائفا الى الساحل الشرقي لكن العلاقة المحرمة مدَّته بحيوية جديدة. ويقول كازان في مذكراته ان مونرو ايضا فُتنت بميلر رغم انها استمرت في مضاجعة كازان حتى يوم خطوبتها الى جو ديماغيو الذي تزوجها عام 1954. بعد طلاقها من ديماغيو الذي استمر زواجها منه عشرة أشهر فقط، انتقلت مونرو الى نيويورك حيث بدأت علاقتها مع ميلر بعنفوان متجدد.
مشهد من فيلم quot;على رصيف الميناءquot;
يقول مارتن غوتفريد، مؤلف سيرة أخرى لحياة آرثر ميلر، ان الثورة العاطفية التي عاشها ميلر في تلك الفترة تتبدى في مسرحية quot;مشهد من الجسرquot; من خلال مشاعر ايدي تجاه ابنه أخيه كاثرين. ويضيف غوتفريد ان ميلر quot;كان بلا حول ولا قوةquot; خلال علاقته بمارلين مونرو.
ميلر في مذكراته عزا بعض الثغرات في انتاج المسرحية الأول الى الصراع المحتدم بين عواطفه. وكتب يقول quot;ان تصعد على المسرح وتصف الاحساس بكونك منجرفا، ان تستدعي شرود الارادة ثم الرعب من شرودها. هذا ما كان غائبا من الانتاج وربما من المسرحية ايضا في تلك المرحلة من كتابتهاquot;. بعبارة أخرى كان ميلر يعتقد ان المسرحية وقتذاك تعكس صراعه هو مع عواطفه، بمواصلة علاقته مع مارلين مونورو وفي الوقت نفسه محاولة انقاذ زواجه.
لاقت المسرحية تقيمات متناقضة في موسمها الأول الذي استمر اربعة أشهر فقط. وكانت ذات مشهد واحد كُتب بلغة شعرية لأن الشعر برأي ملير أنسب من النثر في التعبير عن موضوعات إنسانية عامة. وحين انتقلت المسرحية الى لندن بعد عام راجع ميلر المسرحية بتوسيعها واعادة كتابتها بلغة نثرية واضافة تفاصيل نفسية، لا سيما عن علاقة الواشي بزوجته. وعندما أُنتجت المسرحية في لندن كان ميلر طلق زوجته الأولى ماري وتزوج من مونرو. ولاقت النسخة اللندنية من quot;مشهد من الجسرquot; نجاحا كبيرا واصبح النص المنقح النسخة المعتمدة التي ستُقدم على مسرح كورت في برودواي هذا الشهر بطولة ليف شرايبر بدور الواشي ايدي كاربوني وسكارليت يوهانسن لأول مرة على مسارح برودواي بدور ابنة اخيه كاثرين التي أراد مراودتها.