عبد الجبار العتابي من بغداد:في شارع المتنبي.. ببغداد، لا سيما في ايام الجمعة، ثمة اشياء كثيرة تلفت نظر المتجول في ارجائه ونواحيه، لكن هنالك صورة من يتأملها وتستغرقه يجدها تشع بألوانها الجميلة القريبة من النفس، تلك هي الكتب التي لا اسعار لها، هكذا يمكن القول عنها، تلك التي تباع بأقل الاسعار الممكنة، اي بأصغر نقد، ربما هي تشكل العلامة الفارقة للشارع الشهير بكتبه ومكتباته وبطقوسه المميزة، حيث تجد رواد الشارع لا يتورعون في جلوس القرفصاء امام كدس من الكتب المنتشرة على الارض، ومن ثم البحث عن الكتاب الذي يستهويهم، وكثيرة هي الكتب المتراكمة على بعضها، ومختلفة هي الكتب بمجالاتها وعناوينها وفي تواريخ طبعها وامكنتها، ومتباينة في اشكالها.. ايضا، وهنا يكمن العجب، والاجمل هو ما تسمعه من الباعة الذين ينادون معلنين عنها بالقول:(الكتاب بربع دينار ) او (الكتاب بـ 500 دينار) او (الكتاب بألف دينار)، وهذه الاسعار يضعها اصحاب الكتب وفق اجتهاداتهم الشخصية،هذا اذا ما علمنا ان اصغر نقد في العراق حاليا هو الورقة فئة (250) دينارا التي يشير اليها البعض بـ (الربع دينار)!!، اي ربع الف دينار،والذي يعادل نحو عشرين سنتا، لكن هذه الاسعار لا قيمة لها وتعد بمثابة المجان او الهدية.

في التجوال في الشارع.. تسمع تلك النداءات الهادئة والتي تمتلك ايقاعا محببا او تقرأ لوحة دلالة صغيرة مكتوب عليها السعر، وتشاهد اشخاصا منهمكين في البحث داخل هذه المساحة المفروشة والتي يدهشك منظرها وتذهب لتستمتع بالمشهد حيث امامك تبرز الاغلفة وتتقلب صفحات العنوان وتقرأ الاسماء، كتب.. تنبعث من تحت كتب، تسحبها الايدي وتحدق بها العيون وبالتأكيد يحاورها العقل، فيقترب منها او يبتعد، تحتضنها اليد او تتركها، انشغال جميل.. ربما اجمل من ذلك الانشغال الذي تذهب العين فيه لقراءة عناوين الكتب المتراصة او المصفوفة بترتيب على مناضد، وليست هذه الكتب المكدسة هي (سقط المتاع)، اذ ليس في الكتب سقط متاع، ولكن من الممكن ان اتذكر قول عباس محمود العقاد (إن الكتب مثل الناس فيهم السيد الوقور وفيهم الكيس الظريف وفيهم الجميل الرائع وفيهم الساذج الصادق وفيهم الأديب والمخطئ والخائن والجاهل والوضيع والخليع)، لكنها كتب، وبأمكانك ان تتعرف على تلك الصفات من متونها ولن تخسر شيئا بقدر ما تخوض تجربة، او على حد قول احد الزملاء: ان اي كتاب مهما كان لا بد ان نحصل منه على معلومة او فائدة ما!!.

هذه الكتب بتلك الاسعار من الممكن ان تثير تساؤلا مهما، هذا صحيح ولكن الجواب موجود، وكما اخبرنا العديد من اصحاب اكداس الكتب انهم يشترون مكتبات كاملة كبيرة بأسعار جيدة، وبخبرتهم يقدرون الاهم منها والنادر، وبعد ذلك يجدون ان كمية الكتب الباقية لديهم تمنحهم ارباحا جيدة وان باعوها بأسعار بسيطة، وقال لي ابو وسام: الكتب المطبوعة الحديثة بالتأكيد اسعارها عالية ولكن القديم مهم جدا وله قراؤه خاصة ان الكتاب ليس له مرحلة معينة، وكل كتاب له قيمته في كونه كتابا وعند قارئه، فهناك العديد من الروايات التي مضت عليها سنوات طوال وما زالت محببة ومطلوبة، مثلما هناك الكثير من كتب العلوم والسياسة والتاريخ والكتب الدينية التي يجد القاريء فيها ضالته، وما السعر البسيط الا لاننا نريد ان تبقى الكتب لدينا محبوسة، في كل الاحوال نحن نربح حتى وان كان ربحا بسيطا.

توقفت عند كدس من الكتب ألتف حوله عدد من الاشخاص، كانوا يمارسون انشغالهم في البحث عما يريدون، كان البائع ينادي بصوت خفيض (الكتاب بربع دينار)، مثير هو السعر، قلت مع نفسي اي كتب تلك التي بهذا السعر البخس، رحت اقلب مثلهم وجدتها كتبا في شتى المجالات ولا زالت تحتفظ بأناقتها ومتانتها، بأمكانك ان تحمل كمية كبيرة بثمن قليل جدا، قلت لاحد الواقفين: كتب مجانية أليس كذلك؟ قال: نعم.. وانا بين حين واخر اجيء الى هنا لاشتري عددا منها، فالاسعار رخيصة جدا وهي تغري بالشراء، ثم انني اجد متعة في البحث من اجل ان اجد شيئا مفاجئا، فذات يوم وجدت العدد الاول من مجلة العربي الكويتية، اشتريته بـ (750) دينارا فقط.

مررت على بائع وقف امام مجموعة كتبه التي افترشت مكانا صغيرا، سألته عن سعرها قال: بربع دينار، كانت اغلبها من الروايات، قلت له: كم تبيع منها اسبوعيا؟ اجاب: ابيع الكثير فالسعر يكاد لايذكر، وحين سألته مصدرها، قال: هناك الكثيرون يأتون لبيع كتبهم لان شارع المتنبي مكان معروف ويستقطب من يبيعون ومن يشترون.

وانا ادور بين هذه الاكداس واشاهد من يحلقون حولها من عشاق القراء والمهتمين بها كنت اقارن بين سعر الكتب هنا وبين العديد من الحاجات الاخرى فأجد ان هذه الكتب ارخص منها بكثير،