صالح كاظم من برلين: حين ينتهي مخرج ألماني معروف من إداء مهمته في بلد عربي مثل دبي، فأن أول ما يشغله هو الكشف عن أسباب نجاح أو فشل المشروع الذي أراد أن يحققه في بيئة غريبة عن محيطه الثقافي الأوربي، رغم توفر كافة أشكال الدعم المالي والمعنوي من قبل الجهات المعنية. وهذا بالذات هو ما حصل مع المخرج الألماني ميخائيل شندهيلم، الذي تم أستدعاؤه من قبل حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في العام 2007 لكي يشرف على تأسيس مجمع للتبادل الثقافي بين الشرق والغرب، تكون أمارة دبي مقرا له. وكان من المفروض أن يشكل هذا المجمع، وفق ميخائيل شندهيلم، إطارا يشمل مختلف جوانب النشاط الثقافي في الغرب ابتداءا من الفن التشكيلي و انتهاءا بالأوبرا التي كانت ومازالت تشكل جانبا أساسيا للحضارة الغربية، في اعلى درجات خصوصيتها، إذ ولد هذا الجنس المسرحي في قلب الطقوس الدينية المسيحية (الكورال والمسرح الديني) ليتحول لاحقا، في فترة النهضة الى فن قائم بحد ذاته، بل يمثل ndash; مع بدايات القرن الثامن عشر- خطا دنيويا في مواجهة الموسيقى الدينية التي بقيت مرتبطة بالكنيسة.
أن مشروعا كهذا يتطلب الى جانب التنسيق والعمل المتواصل مصادر تمويل ثابتة، بعيدا عن منطق الربح التجاري، فدور الأوبرا على سبيل المثال، حتى في العواصم الأوربية تمول من قبل الدول، حيث ينظر إليها، ليس كمشاريع تجارية مربحة، بل كمصادر ثقافية تساهم في الحفاظ على واحد من أهم مقومات الثقافة الأوربية. وينطبق هذا، بهذا الشكل أو ذاك، على العديد من المؤسسات الثقافية (المسارح، المعارض، المتاحف..الخ).
ومن الواضح أن الإمارات العربية المتحدة، وبالذات دبي، قد أصبحت منذ أن فتحت أبوابها أمام رموز المعمار الغربي الحداثي، بكل ما يحتويه من نزعات تجريبية، تشكل محورا جذابا للعاملين في مجال الفن والثقافة بإعتبارها، في تصور البعض، قد أصبحت مختبرا للحداثة في قلب العالم العربي وفي عموم القارة الآسيوية. ولا تقتصر جاذبية الإمارات على هذا الجانب فحسب، بل تتجاوزه من خلال الواقع الإجتماعي الذي يتجسد في إستقرار بشر من مختلف أنحاء العالم على أرضها.
لقد فتحت الإمارات أبوابها على الحداثة من خلال العديد من المشاريع المعمارية والثقافية التي بدأت تزدهر على أرضها بسرعة فائقة دفعت الكاتب لأن يطلق عليها تسمية، Dubaispeed، وهذا هو أيضا عنوان كتابه وموقعه في الإنترنيت
http://www.dubai-speed.de/، حيث يواصل نشر المقالات والمواضيع حول التطورات الجارية في دبي، وكذلك حول مظاهر الحياة الإجتماعية والثقافية هناك. ولا يخفي الكاتب في طيات كتابه الذي يقع في 256 صفحه إعجابه بوتيرة النمو في دبي وكذلك في توجه البلد للإنعتاق من التبعية للإقتصاد الأحادي الجانب (الصناعات البترولية) ولإحتضان معالم الحضارة الأوربية بكل أبعادها، غير إنه يلاحظ من جانب آخر خللا ما يتجسد، حسب رأيه، في التعارض بين طموحات النخبة الحاكمة في الإفادة من ثمار الحضارة الأوربية وبين الإدارة الشبه مستقلة للشؤون العامة والتي غالبا ما تعيق، بقصد أو بلا قصد، وتيرة التنمية المطلوبة.
إرتباطا بمشروع بناء دار للأوبرا في دبي يتطرق الكاتب بإسهاب الى التصميم الذي وضعته المعمارية العراقية /البريطانية زها حداد ومازال ينتظر التنفيذ لحد يومنا هذا، وهو واحد من عدد كبير من المشاريع المعمارية التي نفذت أو التي مازالت تقبع في دراجات المخططين ليتم تنفيذها لاحقا. ويتطرق شندهيلم كذلك الى الآثار التي تركتها الأزمة الإقتصادية العالمية على إقتصاد دبي، غير انه يرى كل ذلك من منظور متفائل، وذلك إنطلاقا من قناعته بأن ما يحصل في دبي هو جزء من إحدى ظواهر القرن الحالي الا وهي ظاهرة quot;المدن الجديدة التي نجد عددا كبيرا منها بشكل خاص في آسيا.quot; وهو يرى في ذلك، مما ينطبق على دبي أيضا، فرصة لخلق فضاءات عامة quot;للحوار بين مختلف الكتل السكانية المتوازيةquot;، وذلك، حسب الكاتب، ليس من خلال لغة مشتركة، بل من خلال quot;أن يعبر المرء عن نفسه في هذا الفضاء..quot;
ولا يختلف ميخائيل شندهيلم، رغم الفارق بين الإمارات وأفريقيا، في إستنتاجاته كثيرا عن المخرج كريستوف شلنغنسيف الذي مازال رغم معاناته من سرطان الرئة يسعى بدأب على تحقيق مشروعه في بناء دار أوبرا في بلد أفريقي (بوركينا فاسو)، تحول، بعد أن تأكد شلنغينسيف من عدم وجود طلب لفن الأوبرا في أفريقيا، الى مشروع لبناء مجمع ثقافي يشمل مختلف الفنون المحلية والأجنبية. في النتيجة يبدو أن كافة هذه الجهود تصب في العمل على توسيع التبادل الثقافي والفني بما فيه فائدة الجميع وكذلك لتعميق الحوار الثقافي بين الشرق والغرب، بعد أن كاد أن ينقطع مع بدايات القرن الواحد والعشرين. وربما ستتجه الأنظار من جديد الى الجانب الثقافي، بعد أن تباطأت وتائر البناء المعماري نتيجة للأزمة الراهنة.