إعداد عبدالاله مجيد: تشكل رسائل موزارت مصدر معلومات لا غنى عنه، ولكن العازف البريطاني المشهور اندراس شيف يتساءل عما إذا كان من المقبول ان نتطفل على أفكار الآخرين الخاصة وما إذا كانوا سيوافقون على تطفلنا مستبعدًا مثل الموافقة. الكل يشعر اليوم برغبة للمساهمة في تكوين صورة موزارت في أذهاننا. فالعلماء يحاولون تفسير ظاهرة النبوغ العصبية والمحللون النفسيون يرون انه ضحية والده المستبد والمخرجون المسرحيون ـ الذين يلاحظ شيف ان العديد منهم لا يتكلمون الايطالية ولا يقرؤون الموسيقى ـ يستخدمون اعماله الاوبرالية أداة للتعبير عن افكار اجتماعية وسياسية عصرية غريبة تمامًا عن الأعمال موضع البحث في سياقها التارخي.


السر لا يكمن في سيرة الحياة بل في الموسيقى نفسها. ويشعر كثيرون ان فيلم بيتر شافر/ميلوش فورمان quot;اماديوسquot; ساعدنا على تقدير فن موزارت تقديرًا أعمق. ولكن شيف لا يتفق مع هذا الرأي ويقول ان الفنانين العظام يأكلون ويشربون وينامون ويضحكون ويبكون ـ مثلنا تماما. لكنهم يفعلون شيئًا آخر لا يستطيع الآخرون اكتناهه بالمرة. وفي سعينا لفهم موزارت ينبغي ان نهتم بالاختلافات لا أوجه الشبه بين الفنان والآخرين. ويبدو ان موزارت كشف عما يشترك به معنا اكثر مما يختلف فيه عنا ، كما يقول شيف.


قال ارتور شنابل عن موسيقى موزارت في العزف المنفرد على البيانو quot;انها سهلة جدًّا على الأطفال وصعبة جدًّا على البالغينquot;. ومن المؤكد ان طفلا موسيقيا يستطيع ان يجيد عزف سوناتا من سوناتات موزارت ، بل ويعزفها عزفًا جميلاً رائعًا. إذ ليست هناك نوطات كثيرة وانما بالقدر الضروري لا أكثر ـ على النقيض مما يقوله الامبراطور جوزيف الثاني بغباء في فيلم quot;اماديوسquot; ، كما يلاحظ شيف. ويبدو الأمر طبيعيًّا للطفل. فاللحن والنغم والايقاع تتعايش في توازن تام. ولاحقًا في سن النضج عندما يبلغ موزارت الثامنة عشرة يبدأ التفكير في الموسيقى واكتشاف تعقيداتها. وليس ذلك بالبساطة التي بدا عليها في البدء لأن موزارت يدرك مرعوبا انه لم يعد قادرًا على عزفها ببراءة. فالفردوس الذي ينعم فيه المرء طفلاً بريئًا لا يدوم وقد يعود مع تقدم السن إذا كان المرء محظوظًا. ويقول شيف ان عازف البيانو ميتشيسلاف هورشوفسكي اذهلنا جميعًا.

أندراس شيف يعزف السوناتة رقم 16

في سن الاثنين بعد المئة بتأويلات لأعمال موزارت جمعت بين نقاء الطفولة وحكمة الخبرة.
من التصورات الخاطئة عن موزارت انه كان يؤلف موسيقاه بلا عناء. لم يكن ذلك صحيحًا على الدوام، على الرغم من امتلاكه ما قد يكون أعظم موهبة موسيقية. وعندما كان يريد ان يكتب عملاً استثنائيًّا ـ مثل رباعياته الوترية الست التي اهداها الى هايدن ـ كان يبدي حرصًا شديدا في الاهتمام بكل التفاصيل ويحتاج الى وقت طويل لبلوغ مراميه. ولدى امعان النظر في مخطوطاته نستطيع ان نجد الكثير من التصحيحات فيها على النقيض من الاعتقاد الشائع بأن الموسيقى كانت تنساب من قلمه بلا عناء.


في نحو عام 1780 اكتشف موزارت اعمال يوهان سبستيان باخ في مكتبة البارون غوتفريد فان زفيتن. ولم يكن احد يكترث وقتذاك بموسيقى الماضي بل كان الجمهور لا يريد سوى الاستماع الى أحدث الأعمال الابداعية في الموسيقى (يكاد الأمر يكون عكس ذلك تماما اليوم). وكان لقاء موزارت الشاب مع باخ عن طريق المكتبة حدثا بالغ الأهمية في حياته. وفي الأعمال التي كتبها بعد تعرفه على باخ ، تعانقت عبقرية النغم وعنفوان الشباب مع تمازج الألحان والتوليفة الموسيقية ، بعدما تعلم الصنعة على يد استاذه الأكبر.

وكانت quot;رقصة صغيرةquot; Eine Kleine Gigue قطعة كتبها موزارت للعزف على البيانو في لايبرغ تكريما لباخ. ويقول شيف ان هذه القطعة الصغيرة لو سمعها احد لا يعرف خلفيتها وطُلب منه ان يقول من صاحبها لجاءت آراؤه ببعض التخمينات الغربية بما في ذلك القول ان مؤلفها شونبرغ أو فيبرن لأن الموسيقى حديثة بجسارة. وان قطعة البيانو الأخرى ، روندو على مقام أي ماينور ، تبدو كأنها مقدَّمة تعلن مجئ شوبان. فلا غرو ان موزارت كان معبود شوبان.