(1)
سيرحل العام القادم، يهلك ويمشي على عكازه الشائخ
كغيره من يرقات البطن
ستقوى لدي رغبة القيء التي ظننت أحشائي عاجزة
عن طرحها
في بالوعة الغضب. سـأمنحها، هذه المرة، فضاءً واسعاً
تلفظ فيه أنفاسها المُجرحةِ دون طائل، كعويل البلاد أو
المستنقع الذي ولدتُ فيه : لا عائلة
تحتمي بمظلتي الوراثية، لا مدينة عاقر سوف تغويني،
وتأخذ
بين مخالب شبقها لحيتي البيضاء
كنتف ثلج القارة المريضةِ، سأقلب، إذا ما تخلى عني فلاح
الحديقة، نظريات فيثاغورس، أرقام بورصة الصومال،
أغاني كارم محمود ورهط الجماعة المهيمنةِ اليوم على
خليج
الزعفران ولعب الأطفال القذرةِ.
سأشتت كبرياء زرافات
الشاشة الملونة، فعسر حياتي
أكبر من قوانين الدولة، وأعصابي يخضها
رعب الأقلام
السرية، الهمس المشبوه الذي يسمعه مطاط أذني
وأنا برفقة
غرباء يحتسون للخديعة معي أقداح الشاي والغفلة.
لا شيء قد تبدل، وما زال على حاله السخط الذي حملته
منذ صباي حيال التماثيل التي ينصبونها في كل مكان تارة
وتارة أخرى يهدمونها لكي يظهر طغاة بلون الحليب،
برائحة الأسماك المعفنةِ، يحلمون وبين أياديهم سكاكين غير
مرئية : كوابيس كل ليلة.

(2)
لا أعرف منْ الذي عليَّ خنقه في فراشي، هواجسي
أم القبائل الرابضة على كنوز قارون وفرعون، بيد
أن الحكاية كشفت لي على الفور، لحظة الكتابة، بعرض
وطول السخرية، ألم تقل ممرضات الشعوب : quot;بأن شر
البلية ما يُضحك؟

(3)
ثلاثة قرون في بغداد كنت أتلفت فيها نحو ظلي، خوفاً
ثلاثة قرون في باريس لا أتلفت فيها نحو أحد ولا حتى
لظلي في الغرفة المخنوقةِ والنافذة المنهارة من الجوع.
ذنب منْ تقول العزلة، إذا صببت أنتَ الزيت على النار
ويردد صداها بلهاء لندن : quot;هل يصلح العطار ما أفسده
الدهرquot;؟
لي المهزلة التي أحب.

(4)
سيرحل العام القادم وستظل القيادة تعبث بأفراخي التي
لم يشب زغبها بعد؛ كنت سأتناول الحربة لأهجم فيها على
البرمائيات والتماسيح المنتشرة في البيوت الطينية، لو كان
فلاح الحديقة الموروثة يتركني أصفي عزلتي مع الذين غذوا
قبل ولادتي أسنانها وقواطعها المدببة، أو أوجه ذات الحربة
وأغرزها بيدي في عمق أحشائي المتشابكةِ.

(5)
يا سليل المجازر النفطية، وأروقة القحط اليومي، أترفع مرة
صوتك تحت قبة البرلمان الشاهقة، وتخلع اللباس الوحيد الذي
ظل يستر مؤخرتك العارية، إذ ربما سيسمعون الغائط يحكي
قصتك
أو يشمون رائحة الجثث العصرية،
لي المهزلة التي أحب، يا فلاح الحديقة
ويا حارس البنوك المسروقة.