إعداد عبدالاله مجيد: تُعرض على خشبة فورث ستريت ثيتر في نيويورك ولغاية 21 آذار/مارس مسرحية quot;فلسطينquot; من تأليف وأداء نجلاء سعيد ابنة المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد، واخراج سترغيس وارنر.
تأخذ نجلاء سعيد في هذا العمل المسرحي ذي الشخصية الواحدة، جمهورها الى منطقتنا العربية الحافلة بالأحداث والأزمات. كما تستطلع المونودراما رحلة نجلاء الى منطقة الشرق الأوسط لزيارة موطن والدها عندما كانت فتاة مراهقة وصولا الى رؤية نفسها اليوم امرأة في الخامسة والثلاثين لكلمة quot;فلسطينquot; تأثير بالغ في نفسها فضلا عن صورة العالم بعد هجمات الحادي عشر من ايلول/سبتمبر.
تؤكد نجلاء انها ليست شخصا سياسيا بصفة خاصة وان مسرحية quot;فلسطينquot; لا تقدم علاجا للاحتقانات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط أو أحكاما قاطعة على وضع بالغ التعقيد. نجلاء سعيد تكتفي بسرد قصتها (مع جرعة كبيرة من المفارقات الطريفة)، ابتداء من ارسالها الى مدرسة خاصة في مانهاتن حيث اختلطت بأصدقاء يهود الى الاصابة بمرض الانوروكسيا في الخامسة عشرة من العمر مرورا بزيارة الضفة الغربية وغزة والاردن ولبنان مع عائلتها حيث كان همها كفتاة يافعة قضاء وقت ممتع على البحر بدلا من تحليل الوضع الجيوسياسي ثم تعود ورائحة المجاري المفتوحة في غزة ما زالت ترافقها. وتقول نجلاء سعيد ان مشاغلها وقتذاك كانت ان تبدو حلوة بما فيه الكفاية وذكية بما فيه الكفاية ومنجسمة مع محيطها، quot;ومثل كثيرين من اطفال المهاجيرن كنتُ أُريد ان تتبدد كل الأسئلة المتعلقة بالهويةquot;.
اسئلة الهوية لم تختف بالطبع وظلت تلاحق نجلاء سعيد فحملتها معها على المسرح مقترنة بما تسببه من انقلابات وهواجس نفسية في مشهد تقدمه على ايقاع الموسيقى العربية والغربية. وتتذكر نجلاء والدها في المسرحية بوصفه quot;شيخا ساحرا، انيقا، يمارس هواية التنس ويقود سيارة فولفو ويدخن الغليونquot;. وتعود نجلاء سعيد في مسرحيتها الى حادث دولي وقع عام 2000 عندما شاهد العالم صورة والدها على الحدود اللبنانيةيهم برمي حجارة على مخفر حراسة هجره الجيش الاسرائيلي.

من الجهة اليمنى: نجلاء سعيد والمخرج سترغيس وارنر

تصور نجلاء ما فعله والدها في اطار مباراة في رمي الحجارة مع شقيقها وديع دون تحميل المشهد اي مغزى سياسي عميق الدلالة. وكان ادوارد سعيد وصف رمي الحجارة في حينه بانه تعبير رمزي عن الفرح بانتهاء الاحتلال الاسرائيلي لجنوب لبنان.
إزاء مثل هذه الاشارات الى قضايا خلافية بنظر الرأي العام الاميركي في المسرحية قال المخرج وارنر انه كان قلقا بشأن جمع 30 الف دولار في البداية لانجاز العمل. ولكن حتى مع ما يصاحب جمع التبرعات من مصاعب هذه الأيام تدفقت المساهمات المالية من مختلف انحاء العالم، بما في ذلك 15 الف دولار من عازف البيانو اليهودي دانييل بارينبويم الذي كان صديق ادوارد سعيد الحميم.
وقال بارينبويم في رسالة بالبريد الالكتروني quot;ان مسرحية نجلاء مهمة لأنها تضفي بعدا شخصيا على صعوبات التواصل في حياة ذات مرجعيات مختلفةquot;. واشار الى وضع نجلاء سعيد بوصفها اميركية من الجيل الثاني ذات اصول عربية ترعرعت في بيئة يهودية في الغالب، طفلة مترفة عرفت ظروف الحرمان التي يعيشها الفلسطينيون عموما.
واضاف بارينبويم ان طريقة نجلاء في التنقل بين هاتين الدائرتين تشترك بكثير من السمات مع فرقة ديوان الشرق والغرب، المشروع الذي بادر الى تأسيسه مع ادوارد سعيد في عام 1999، وأرادا به مد جسور التواصل عبر هوة الصمت.
المخرج وارنر من جهته يقول ان المهم هو تقديم السرد الشخصي وتجاوز السياسة. ولكن فيليسيا لي تكتب في نيويورك تايمز ان كوكتيل نجلاء سعيد يمكن ان يعتبر شخصيا وسياسيا في آن مشيرة الى ما أحست به نجلاء من ألم نتيجة ما تعرضت الية من سوء فهم بعد هجمات 11 ايلول/سبتمبر عندما ادركت ان ارثها واصولها جعلتها غريبة في احسن الأحوال بنظر اشخاص لا يعرفون اي شيء عنها أو عن الاميركيين العرب. الى ذلك ترى نجلاء سعيد ان خطرا يكمن في التماهي مع جماعة محدَّدة لأنه يمكن ان يعني فقدان تفاصيل التاريخ الشخصي الحقيقي، وهي تفاصيل يحتاجها البشر كي يروا ويسمعوا بعضهم البعض بصورة كاملة. وقالت نجلاء بعد بروفة قبل العرض quot;نحن جميعا لدينا حكاياتquot;.
لميس اسحاق، وهي كاتبة مسرحية اميركية من اصل فلسطيني تعيش في نيويورك، اعربت عن اتفاقها مع نجلاء قائلة quot;نحن فنانون نحاول ايجاد عمل لكن علينا ان نخلق احاديث لمواجهة التعقيد الذي تتسم به خبرتنا الحياتيةquot;.
تنتمي لميس الى مجموعة من الكتاب المسرحيين الذين شرعوا في تشكيل فرقة quot;نورquot; المسرحية لدعم الفنانين ذوي الاصول الشرق اوسطية وتطوير عملهم وتقديمه. وكانت نجلاء سعيد التي لا تشارك في المبادرة الجديدة قامت بعمل مماثل في السابق.
ظهرت نجلاء سعيد خلال السنوات القليلة الماضية في مسرحيات خارج برودواي واعمال سينمائية وتلفزيونية وخاصة في مسرحية الفنانة هذر رافو ذات الممثل الواحد quot;اجزاء الرغبة التسعةquot; التي تستوحي زيارة قامت بها رافو الى العراق في عام 1993. وقالت نجلاء ان مسرحية quot;فلسطينquot; فرصة للتعاطي مع كل الاشياء التي امصت سنوات كثيرة في محاولة الهروب منها. واضافت: quot;عندما اسمع كلمة فلسطين اسمع صوت والدي يتلفظها ولكني لا اعرف ما هي لأنها ليست مكانا بالنسبة لي. لا اعرفها، ليس هناك ما يربطني بها. حتى والدي لم يكن في الحقيقة مرتبطا بالمكان الجغرافي الفعلي ـ بل كانت فلسطين عنده فكرة، نضالا من اجل المساواة وحقوق الانسانquot;.