يوسف يلدا من سدني: تعد فرقة البيتلز من أفضل الفرق الموسيقية العالمية في القرن العشرين وأكثرها شعبية وتأثيرًا في الحياة الثقافية والإجتماعية، على الرغم من إنفراط عقدها في أوائل السبعينات، حيث لا يزال إسمها محفورًا في ذاكرة الناس حتى الآن. وان كان حدث إنفصال أعضاء الفرقة في 10 نيسان 1970 يعتبر أن الأمر الوحيد الذي شكل بقعة سوداء لطخ إسمها.
وكان الخبر قد هزّ العالم: quot;إنفصال البيتلزquot;، وهو ما أعلنه بول مكارتني في 10 نيسان 1970، أي قبل أربعين سنة. ولم يكن ذلك مجرد نهاية مصير فرقة موسيقية رائعة، أو أمرًا في غاية التأثير خلال مسيرة تأريخ موسيقى البوب المعاصرة، بل كان تأبينًا لمرحلة في حياة جيل بأكمله.
واليوم تعتبر الفرقة أشهر من ذي قبل. فقد وضعها الزمن في المكان الذي تستحقه، في حين كان إنفصال أعضائها عن بعض بداية لولادة إسطورة quot;البيتلزquot;، التي إستمر إسمها تدوّن حروفه في الذاكرة الشعبية. وما أرقام مبيعات أعمالها الغنائية والموسيقية العالية، بعد إعادة إصدار ألبوماتها القديمةوطرحها في الأسواق مجددًا إلاّ الدليل على مدى شعبيتها وسعة جمهورها المنتشر في جميع أصقاع العالم.

لقد كان وقع ما أعلنه مكارتني في ذلك اليوم الربيعي، قبل أربعين عامًا، مؤثرًا وكبيرًا في نفوس محبي البيتلز، وبمثابة الإعلان عن مقتل رئيس دولة أو الوصول الى القمر. ومن دون أدنى شك، لقد كان أول خبر ذا أهمية بالغة خلال عقد السبعينات، وقد فاق خبر إعتزال الملاكم محمد علي كلاي، أو زيارة ياسر عرفات الى موسكو، أو فوز سلفادور أليندي في إنتخابات تشيلي الرئاسية.
ما السبب في إنفصال فرقة البيتلز؟! حتى هذه اللحظة، لا يزال الدافع الحقيقي لإنفراط عقد إسطورة القرن العشرين يعد مبهمًا، غير واضح المعالم. ومما لا شك فيه أن أعضاء الفرقة الأربعة كان باستطاعتهم تقديم المزيد من الموسيقى الرائعة لو لم تتوقف عجلة عطائهم كمجموعة واحدة ومتلاحمة. وعلى عكس بقية الفرق الموسيقية والغنائية التي كانت تلتقي ومن ثم تنفصل، كانت فرقة البيتلز تمر بمرحلة خلق وإبداع لا متناهي، من خلال كل عضو فيها، على الرغم من أنّ فكرة الفرقة التي تعني العمل الجماعي الكورالي كانت تواجه صعوبات جمّة.
كان قد مرّ على إعلان إصدار ألبوم الفرقة quot; آبي رود quot; سبعة أشهر، والذي يعد مصدرًا موسيقيًا كبيرًا في إنتظار إستثمار العديد من مواضيعه الموسيقيّة. ومن بين أغنيات الألبوم المعروفة quot;سومثنكquot;، وquot;كام توغيذيرquot; والتي نالت كل واحدة منهما شهرة واسعة ونجاحًا ساحقًا. وقبل شهر من إعلان خبر الإنفصال الرسمي، كانت الفرقة قد طرحت في الأسواق أسطوانة صغيرة تحمل أغنية quot;لت إت بيquot;، والتي إحتلت قلوب الملايين من الشباب.

وما لا يزال واقعًا حيًّا وملموسًا حتى الآن، هو عدم توضيح فرقة البيتلز الأسباب الحقيقة التي تكمن خلف إنفراط عقدها، وتجنب العودة الى الوراء والتطرق الى ذلك، على الرغم من مرور أربعة عقود على إنفصالها. فمرة يعلنون عن أسباب غامضة، وأخرى متناقضة ومبهمة. لا بل، في أحيان كثيرة يقدمون تبريرات تدعو إلى الضحك. وربما كان بول مكارتني قد أشار الى سبب معين، عندما أعلن، بعد مرور سنوات على إنفصال أعضاء الفرقة، ردًّا على سؤال عن سبب ذلك التشتت أو إمكانية العودة ثانية الى المسرح الغنائي معًا، وقال حينها: quot;كما لو كنتم تطرحون على زوجين منفصلين للعودة ثانية الى عش الحياة الزوجية، بينما هما لا يطيقان رؤية الواحد للآخرquot;.

بول وليندا مكارتني

عودة الى البداية
لم تتوفر المعلومات الدقيقة والتي تشير الى بداية تشكيل فرقة البيتلز، في ما يتعلق بعلاقات الصداقة التي ربطتهم مع بعض، أو من حيث مباشرتهم في العمل معًا. ولكن، ربما، يمكن أن نعتبر تاريخ تسجيل عملهم الغنائيquot; ألبوم أبيضquot;، في العام 1968، نقطة إنطلاق الفرقة في عالم الموسيقى. تلك الأيام التي حملت بين طيّاتها جلسات البروفات والتدريبات على الأغاني وتبادل وجهات النظر فيما بين أعضاء الفرقة، لم تكن سهلة، وإنما رافقتها حالات مد وجزر لتصادم الآراء والأفكار الشخصية التي كان يتصف بها كل عضو في الفرقة، حتى إنتهى الأمر بهم الى الإستمرار وعدم التوقف والعودة الى الوراء. ومن بين الأمور التي صادفت مسيرة الفرقة، والتي يمكن أن تدلنا، بشكل أو بآخر، الى بعض ملامح عدم إلتقاء الأفكار، فيما بعد، الظهور القوي والمؤثر ليوكو أونو في حياة جون لينون، وكذلك ليندا مكارتني، الى جانب خلافات أخرى طافت على السطح، فيما بعد، مثل إستهلاك المخدرات، ومزاج لينون اللامستقر، ورغبة جورج هاريسون في الأنعتاق من ديكتاتورية كل من لينون ومكارتني في تحديد المساهمات الغنائية الإنفرادية ضمن الفرقة، وبطء تزويد رينغو ستار الفرقة بأفكار في مجال الإبداع الموسيقي، وأخيرًا إستغلال مكارتني للجمع بين تاريخ إطلاق خبر إنفصال الفرقة والإعلان عن إصدار ألبومه الإنفرادي الأول. وكما يبدو، أنه من الممكن أن تكون هذه الأسباب جميعها قد شكلت السبب في إنفصال البيتلز، وقد لا تكون.

جون لينون ويوكو أونو

ومع مرور الأيام، كان الزمن قد طوى الخلافات والأسباب التي أدت الى إنفراط أسطورة القرن العشرين وثورة الشباب الموسيقية، وبصورة خاصة، بعد موت جون لينون الذي أعاد أواصر الصداقة بين بقية أعضاء الفرقة الأحياء، وإن لم يدفعهم للغناء معًا حفاظًا على سمعتهم وشهرتهم الفنية وهم فيأوج نجاحهم وقت إنفصالهم عن بعض. واليوم ليس غير بول مكارتني ورينغو ستار من بقي في مملكة الأحياء، المملكة التي لا يتجرأ المرء من تلطيخ إسم أعضائها الأربعة في ليفربول.