محمد الحمامصي من القاهرة: يتمتع الشاعر الإماراتي خالد الظنحاني بصوت شعري متميز الرؤية والنسيج وحضور نشط وفاعل على الساحة الشعرية العربية، قرأ قصائده من الشعر النبطي في العديد من المحافل المحلية الإماراتية والعربية والدولية، ومكنه كونه إعلاميا ومديرا لبيت الشعر بإمارة الفجيرة وعضوا بارزا في العديد من الهيئات الخاصة بالإبداع أن يحقق تواصلا بين التجربة الشعرية الإماراتية وشقيقاتها العربيات ويدعم الجسر القائم بينهما.
وفي هذا الحوار معه نتعرف على رؤاه وآرائه بشأن تجربته والتجربة الإماراتية خاصة في الشعر النبطي.

** بداية نود التعرف على بداياتك الشعرية والمؤثرات التي أحاطت بولادة تجربتك؟
** أنا ابن الفجيرة ـ مدينة دبا الفجيرة quot;جارة الجبلquot; تحديدا ذات الجبال الشُّم، والوديان الساحرة الأخّاذة، والبحار الزرق، على صفحات الماء وقرب الأفق، عند المساء كل شيء ينطق شعرا، من فوقي ومن تحتي تحوم القوافي، فالشعر تعلقته صغيراً، فصار مني وصرت منه كبيراً، فأنا باختصار شاعرٌ تصالحت مع الشعر، فتصالح الشعر معي فوهبني الإبداع، الطبيعة والإنسان وتطلعاته، هم مصدر إبداعاتي واهتماماتي، وللإنسان خصوصية مورقة في شعري، فهو يستحق النظر إليه بعمق وتفصح وجداني كبير لهمومه وقضاياه الحياتية والإنسانية.
بدأت أتلمس خطواتي الأولى مع الشعر منذ كنت في المرحلة quot;الإعداديةquot;، إذ كنت أتفحص القصيدة العربية في كتب اللغة العربية بشيء من القلق الوجودي، وأتساءل كيف كتبت هذه القصيدة؟ تعلمت اللغة ودرست العروض، قرأت التراث العربي والمحلي والأدب العالمي، وكتبت شعرا بديعا.

** كيف هي المراحل التي قطعتها تجربتك حتى الآن؟
** بعد أن بدأت في المشاركات المحلية على مستوى إمارة الفجيرة والإمارات عموما، بدأت المشاركات الخارجية التي تأتي من خلالها التواصل بين الشعوب الذي يثري تجربة الشاعر، ويكسبه معرفة وثقافة جديدتين، وأساليب شعرية ومفردات جديدة في عالم الشعر، ويمكّنه أيضاً من التعرف على أنماط حياتية شعبية مثيرة لتلك الشعوب التي يزورهاbull; وأنا أعتبر هذا الاتصال هو المحك الحقيقي الذي يكشف مدى قدرة الشاعر الأصيل والمتمرس على تحقيق التفاعل الوجداني والتقارب الروحي بينه وبين متلقّي الشعر على اختلاف ثقافاتهم، ومن هنا بدأت مراحل التطور لدي.

** يحتل الشعر النبطي موقعا متميزا لدى جمهور الشعر في الإمارات، هل كان ذلك وراء توجهكم لكتابته؟
** الشعر النبطي يملك مقومات وجماليات كبيرة قادرة على المنافسة والوصول لمناطق واسعة، وطبيعة بيئتي أدخلتني الى عالم الشعر النبطي الذي بدأت بتطوير موهبتي وفكري في كتابته حتى أصبح يجري في خلاياي، وأصبحت أرى شخصيتي الشعرية فيه مع أنني بدأت بكتابة الشعر الفصيح، ومن خلال مشاركاتي العربية لاحظت أن البعض للأسف يعتبر الشعر النبطي من إبداعات الدرجة الثانية، وهنا أختلف معهم في ذلك لأنه لا يمكن إعتبار الشعر النبطي الذي يعيش مع أهل الإمارات والخليج وبعض الدول العربية من إبداعات الدرجة الثانية، لأنه يملك مقومات المنافسة والجماليات الشعرية والحضور والانتشار أيضا، وأكبر دليل على ذلك الحضور العربي والأوربي الكبير الذي تواجد في أمسيتي الشعرية بمعهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية باريس التي نظمتها هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، حيث ترجمت قصائدي العامية إلى اللغة الفرنسية، وحصلت على ردود فعل ايجابية جدا من قبل مثقفين فرنسيين وأوروبيين معا.

** برأيك هل هناك أسباب خاصة وراء إقبال جمهور الشعر الإماراتي على الشعر النبطي؟
** الإنسان العربي عموما هو شاعر بطبيعته محب للكلمة، محب للجمال والإبداع. والشعر العامي أو النبطي هو لغة الناس في الحياة اليومية، يلامس همومهم وقضاياهم الحياتية اليومية ببساطة ومرونة فهو أقرب إلى قلوبهم وأرواحهم، لأنه بعيد عن التعقيد والغموض الذي يحتاج إلى من يفكك طلاسمه، كما هو الحال مع بعض شعراء القصيدة الفصحى وخاصة النثرية منها.
فضلا عن الدعم الرسمي والخاص quot;المادي والمعنويquot; للشعر والشعراء في الإمارات والخليج عموما، كالبرامج التلفزيونية والمسابقات الشعرية الضخمة بالإضافة إلى المجالس الشعرية المحلية.

** كيف ترى لساحة الشعر في الإمارات؟
** تعيش الإمارات اليوم حالة من الزخم الثقافي والإبداعي على كافة مستويات العمل الإبداعي، نتيجة للنهضة الثقافية الكبيرة التي تعيشها الإمارات، ويلمسها العالم أجمع، وهذه النهضة الثقافية تواكب النهضة العمرانية والاقتصادية النابضة في جميع مدن الإمارات، فالدولة وفرت للمثقف بيئة خصبة للإبداع، لذلك فالمبدع الإماراتي يعيش مجده الإبداعي، بفضل تشجيع ورعاية القيادة للمبدعين والمثقفين على وجه العموم. فالكل يشعر بهذا التطور والاهتمام بالمثقف الإماراتي. كما أن هذه المؤسسات أصبحت دافعا لعطاء المبدعين.

** هل هناك إشكاليات خاصة تراها في تجربة الشعر في الإمارات على اختلافها؟
** التجربة الشعرية في الإمارات تستحق القراءة العميقة المتأنية وإعادة القراءة أيضا، لأنها في فترة من فترات الماضي غيبت عن المشهد الشعري العربي، وذلك لعدة أسباب، داخلية وخارجية،كغياب الاهتمام الإعلامي المحلي بالتجارب الشعرية الإماراتية، الذي سبب الإحباط لكثير من الشعراء فالتزموا الصمت أو الانزواء بعيدا، مع أنني ضد الانزواء لأن على المبدع أن يكافح بقوة حتى يتغلب على كل التحديات التي تحول دونه والجمهور العربي المحب للشعر والأدب، وهناك أيضا سبب آخر هو نظرة المثقف العربي المتواضعة جدا(سابقا) للتجارب الإبداعية الإماراتية واتهامها بدون المستوى، وهذا ما أثر سلبا على التجربة الثقافية الإماراتية عموما، لكننا في ظل هذه النهضة الثقافية والوهج الإبداعي الكبير للمبدعين في شتى المجالات، ستتمخض عما قريب أسماء شعرية كبيرة ستكون في صدارة المشهد الشعري العربي.

** بيت الشعر بالفجيرة، ودوره في احتضان التجربة الشعرية في الإمارات؟
** نحن في بيت الشعر بجمعية دبا الفجيرة للثقافة والفنون والمسرح، وضعنا مخطط لتطوير الشعر بمختلف جوانبه وإثرائه بمجموعة من النشاطات والفعاليات، فأسسنا quot;جماعة الشعر العربي والنبطيquot; وهي عبارة عن أكاديمية مصغرة تعلم أصحاب المواهب من الشباب أساسيات بناء القصيدة الصحيحة كالوزن والقافية والأساليب والتراكيب اللغوية والخيال الشعري وإلخ. ومن بعده quot;ملتقي الشعر النسائيquot; الأول من نوعه في الإمارات والذي يضم في عضويته الكثير من الشاعرات الإماراتيات والمواهب الشعرية النسائية، وقد رفدنا الساحة الشعرية الإماراتية بالعديد من الأسماء الشعرية التي أكملت الدراسة في برامج بيت الشعر بنجاح. بالإضافة إلى إحياء الأمسيات الشعرية المستمر والإشراف على البرامج الشعرية التلفزيونية والإذاعية،وإقامة المهرجانات الشعرية، وكل ذلك يصب في دعم الشعراء وإثراء الساحة الثقافية بالحراك الشعري البديع والخلاق.فنحن ـ يا صديقي ـ في بيت الشعر في الفجيرة نصنع الحدث ونكتب التاريخ الشعري العامي والعربي.

** كيف هو التواصل بين بيت الشعر بالفجيرة، وبيوت الشعر الأخرى في الإمارات؟
** نتواصل ـ بعض الشيء وبمبادرات شخصية أغلبها ـ في طرح الأفكار وعمل الأمسيات الشعرية المختلفة، وكيفية تطوير دور هذه البيوت الشعرية في عملية إثراء الساحة الشعرية بمزيد من خبرة روادها وأعضائها الذين لهم مشاركات كبيرة محلية وعربية وعالمية أيضا، لكن طموحنا أكبر بالتواصل والعمل معا من أجل الارتقاء بالثقافة في الإمارات والوطن العربي عموما.

** وماذا عن الدور العربي لبيت الشعر بالفجيرة؟
** للأسف التنسيق والتواصل بين المؤسسات الثقافية العربية شبه معدوم، وهذا بطبيعة الحال لا يخدم الثقافة العربية التي نطمح بالنهوض بها لتكون الإيقونة العربية التي تنير طريق الوحدة العربية الأشمل، فالثقافة هي ركيزة التقدم الحضاري والاقتصادي والاجتماعي والعلمي لكل البلدان، ونحن في بيت الشعر نعمل من هذا المنطلق،لذا بدأنا بالعمل العربي وذلك بالاتفاق مع عدد من المنظمات الثقافية العربية في تونس (مهرجان الصحراء الدولي) والمغرب (المنتدى الدولي للفن والأدب بورزازات) وقريبا سلطنة عمان. وبدأنا بالأردن إذ وقعنا مذكرة تعاون ثقافي مشترك مع مهرجان صبحا والدفيانة للثقافة والفنون الذي تشرف عليه وزارة الثقافة الأردنية، وبموجب المذكرة سنتعاون على تنظيم وإقامة الفعاليات الشعرية والفنية والتراثية في المهرجانات الثقافية والدورية التي يقيمها كل طرف، إلى جانب الخدمات الإعلامية في مختلف وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية المحلية منها والعربية.
بالإضافة إلى التعاون الثقافي في المجالات المرتبطة بتعليم فنون الشعر، واستقبال الشعراء الأردنيين في الفجيرة بالإمارات للمشاركة في المشاريع والبرامج الثقافية،بالمقابل، يتم استقبال الشعراء الإماراتيين في الأردن، فضلا عن تبادل المطبوعات والدراسات النقدية وإصدار دواوين شعرية مختارة لنخبة من الشعراء المميزين لدى كل طرف، تعزيزا لدور الكتاب وإثراء مكتبة كل منهما.
ولدينا تطلعاتنا المختلفة سنذكرها في حال الانتهاء منها وإبرام الاتفاقيات النهائية، وجميعها تصب في خدمة الثقافة والأدب والشعر في العالم العربي.