إيلاف من باريس: فيما يلي أعدنا صياغة الحوار (بما فيه إضافة العناوين) الذي أجراه فيليب لاناسون مع فرنسوا شابون حول الشاعر بيير ريفيردي ونشر في صحيفة ليبيراسيون الفرنسية. ويتقلد شابون مهمة رئاسة لجنة ريفيردي، كما شغل كرسي إدارة خزانة جاك دوسيه ما بين سنتي 1956 و 1994. وجدير بالذكر أن شابون هذا كان صديقا لريفيردي، وقد تعرف عليه قبل خمس سنوات من رحيله. هنا استعادة لبعض لحظات تلك الصداقة مع الشاعر الكبير. ألم يكتب له ذات يوم في إهداء لأحد كتبه عن الينابيع التي ترويهما وعن الرياح التي تطردهما؟

التعرف على ريفيردي
التقى فرونسوا شابون ببيير ريفيردي سنة 1955 خلال مأدبة عشاء. والتي حدثت فيها مشاداة بين الشاعر وموسيقار صار فيما بعد مشهورا، حول سؤال يتعلق بالفن لم يستسغه الأول. وفسر شابون رد فعل ريفيردي العنيف والتلقائي بمسألة كونه يعيش في نوع من العزلة بعيدا في منطقة السارت، حيث كان عليه أن يجتر تأملاته، على مبعدة من العلاقات الاجتماعية، وخارج كل إستراتيجية. ورأى أن صفاء تصرفه ينطبق على صفاء قصائده. صرح له أنه يرغب في قراءة اسبينوزا غير أنه لم يعثر على كتبه، وما كان من شابون إلا أن أرسل إليه كتاب quot;الأخلاقquot;. ورد عليه متأسفا على ما حدث له مع الموسيقار، وهكذا بدأت صداقتهما كما قال. كان يتصف بكرم استثنائي، وكان يتمتع بتلك الميزة التي جعلته لا يتواطأ مع الأدعياء، ولا ينساق مع المواضعات، ذلك أنه كان يمارس حرية هائلة.

أماكن اللقاء به
عندما يجيء إلى باريس ينزل في فندق مونتالومبير، أو فندق فولتير الواقع على رصيف فولتير. يلتحق به إذن ثم يقضيان اليوم معا. لا يتحدث أبدا عن عمله الأدبي. لقد التقى شابون مع عدد كبير من الكتاب ولم ير قط واحدا لا يأبه بتاتا بمخطوطاته وبما ستؤول إليه كتاباته من بعده مثله. ذكر شابون أنه قد دعاه لما أصبح مديرا لخزانة دوسيه. فقد كتب في شبابه مثله مثل بروتون، أراغون وديسنوس بطلب من دوسيه رسائل حول الحركات الأدبية والفنية. وقد أراه تلك الرسائل التي وصفها بأنها جميلة ومحكمة، غير أن ريفيردي لم يتحملها، بل صرح له بأنه لو استطاع لأحرقها. فهو يشمئز من التوظيف الذي يطال المسودات والكراريس والرسائل في عصرنا الحديث. فقد كان يعادي، بشكل قاطع، نشر المراسلات الخاصة. كان يشطب كثيرا قصائده، ويمزق ما يشطبه ثم يرميه. فقد اشتكى له الشاعر الشاب أندريه دي بوشيه حول الصمت الذي فرضته الصحافة على قصائده الأولى، فحدثه ريفيردي عن quot;النجاح الباهر للصمتquot;.

ريفيردي وحالات الغضب
حكى شابون أنه عندما نظم معرضا حول الشاعر بيير جان جوف، الذي كان يحرص كثيرا على نصوصه ووثائقه، وقطع شابون على نفسه أن يعتني بحاجياته وألا يحصل بينهما شقاق خاصة بعد معرض مخصص له. غير أن بيير جان جوف قد قدم له رقعة، كان ريفيردي بعث له بها من قبل، جاء فيها: quot;يلزم أن نحسن انتظار المعجزة أو لا شيءquot;. كان شابون يدرك جيدا رأي ريفيردي حول أعمال جوف كي يفهم أن ريفيردي إنما يرجح لصق صفة اللاشيء بشعر جوف في تلك الثنائية المذكورة. لكن جوف أراد أن بعرض تلك الرقعة ضمن الأشياء الأخرى المعروضة. جاء شابون بعد ذلك بتلك الرقعة إلى ريفيردي الذي وجده في بار فندق فولتير، وبادره بعد أن مد له الورقة كيف أنه لم يخبره قط أنه كتب لجان بيير جوف. وهمت بريفيردي موجة عارمة من الغضب تضبب العالم جراءها من حوله وشد الورقة ومزقها إربا إربا. وردها له ممزقة مشيرا إليه بأن بإمكانه حينها الاحتفاظ بها. ما فعله شابون حقا.

كيف التقى بماكس جاكوب صديقه وخصمه خلال شبابه بمونمارتر؟
كان يقطن قرب باتو لافوار، وقد استنجد به يوما الرسام خوان غريس، الذي لم يتعرف عليه بعد، كي يساعده على طرد جماعة من الأطفال الذين تحرشوا بصديق. وقد ساعده ريفيردي بالفعل. كانت لذلك الصديق هيأة غريبة، إنه ماكس جاكوب. فقد كان يكنّ لريفيردي صداقة وإعجابا حقيقيين. غير أنه كان يميل إلى التعامل معه على اعتبار أنه في بداية الطريق. وقد عانى ريفيردي من ذلك كثيرا.

حياة ريفيردي بعيدا عن باريس
كان يرفض أن يقوم أصدقاؤه بزيارته في منطقة السارت حيث كان يعيش. حتى شابون نفسه لم يذهب إلى هنالك إلا بعد وفاة الشاعر. لقد باع منزله الكبير تحت الاحتلال الألماني، وكان واحدا من الكتاب الذين لم ينشروا شيئا خلال تلك الفترة كلها، لقد بدا له ذلك مستحيلا. وقد كان يعيش مع زوجته في بيت صغير أصلح أسفل الحديقة. لا تتوفر واجهته الموالية للشارع إلا على نافذة صغيرة جدا، في الأعلى، وهي نافذة غرفته مثلما في قصائده. كان يحيا حياة صارمة. كان فقيرا. ومن الممكن أن تكون شانيل قد ساعدته، لكن شابون أوضح أنه لا يعرف جيدا ما إذا تم ذلك أم لا. فقد ظلت النساء اللائي أحبهن، مثلها، وفيات له.كما كن معجبات به وكتومات جدا، بدءا بامرأته.
أوصى أن يتم دفنه بعيدا بدون بهرجة. وكان الرجل الوحيد الذي تلقى خبر موته في حينه، وحضر جنازته هو الممثل ألان كينيه.