صلاح سليمان من فرانكفورت: في ختام فعاليات مهرجان فرانكفورت الدولى للكتاب ـ تسلم الأديب الجزائرى quot;بوعلام صنصالquot; جائزة السلام التى تقدمها رابطة تجارة الكتب الألمانية لآكثر الأدباء فعالية في نشر السلام والوفاق والتقريب بين الثقافات المختلفة ، ووفق ماجاء في حيثيات منح الجائزة فإن صنصال قد لعب دورا كبيراً من خلال كتاباته فى دعم الحركة الديمقراطية فى شمال افريقيا التى تمخض عنها الربيع العربى الذى تعيشه أقطار عدة فى العالم العربى الآن.
لاشك أن هذه الجائزة تفجر الجدل من جديد حول ابداعات صنصال ، فكتاباته لاتلقى كل الرضا بين قرائه بالعربية على عكس قرائه بالفرنسية أو الألمانية ، بل حتى ان كثيراً من كتبه ممنوعة في الجزائر رغم رواجها في فرنسا وألمانيا ويرجع السبب الآساسى فى ذلك الى هجومه على الإسلام والى كسر المحاذير المفروضة على جزء من التاريخ الجزائرى الذى لعب فيه جيش التحرير دوراً كبيراً في تحرير البلاد من الإستعمار الفرنسى ـ وفي روايته quot; قرية الألمانى quot; المترجمة الى اللغة الألمانية نجده يتحرر فيها من كل تلك القيود المفروضة على حرية الفكر ، حتى أن معارضيه ينسبون اليه تبنيه فى تلك الرواية مزاعم وجود قواسم مشتركة بين النازية والإسلاموية وهو ذلك الخلط الذى لايتفق معه فيه الكثيرون ،خاصة عندما يؤكد علي أن فكرة الغزو للسيطرة وابادة كل من يرفض الخضوع للأيديولوجية هي من العوامل المشتركة بين الإثنين .
تبدأ رواية quot;قرية الألمانىquot; بفرار المجند النازى quot; هانز شيلرquot; بعد سقوط النازية في سنة 1945 عبر تركيا هاربا الى مصر ثم الجزائر التى وصلها في نهاية المطاف ،غير أنه التحق للعمل كخبير في جيش التحرير الجزائرى وهو مايطرح تساؤلات عدة عن أخلاقيات الجيش فى السماح لنازى ارتكب جرائم حرب ،أكثرها خطورة هى خدمته فى معسكر الإعتقال الشهير ـ اوسفيتتش ـ ، وبعد إنتصار الجزائر وحصولها على الإستقلال انتقل الى العيش فى قرية جزائرية نائية مع زوجته الجزائرية دون ان يعرف احداً شئ عن ماضيه النازى ، غير أنه توفى هو وزوجته إثر حادث شنته علي القرية احدى الجماعات الإرهابية ـ عندئذ بدأت الحقيقة فى التكشف شيئاً فشيئا عندما قرر أحد ابنائه الذين يعيشون فى فرنسا العودة حيث كان يدرس ، والبدء فى البحث عن تاريخ والده .
اسم الرواية quot;قرية الالماني quot; هو الأسم الذي اطلقة سكان القرية وسكان القرى المجاورة عليها نسبة الي هانز شيلر الذي يعيش فيها .. وعندما مر الكاتب يوماً ما بالقرية وهو في طريقه الى مدينة سطيف ـ سمع إسمها للمرة الأولى وعلى الفور تحركت مواهبه الأدبية ، وشرع في تأليف رواية لها نفس اسم القرية .كان حسه الأدبى الذى دفعه الى تأليف الرواية هو الذي انطلق من أصل سؤال ظل يشغله وقتا طويلاً وهو كيف يعمل نازى في جيش التحرير الجزائرى بعد كل ما عُرف عن النازية من جرائم قتل وانتهاك لحقوق البشر ذلك الأمر الذي سبب له صدمة.
ان سؤلاً افتراضياً يتم طرحه هنا علي هامش منح الجائزة لبوعلام ـ هل سلك نفس مسالك من سبقوه فى الهجوم على الإسلام وربطه بالنازية حتي يضع نفسه علي طريق الجوائز العالمية ؟. إن كثيرا من المتشككين يرون إن ذلك الأمر هو واضح وجلي ـ فهو قد أدرك أنه ليس ثمة طريق يمكنه من الظهور العالمى إلا بانتهاج مواقف سياسية في كتاباته ترضي الأوروبيين خاصة وأن الثقافة الأوربية تقوم فى كثير من الأحيان على انتهاج الأيدولوجيات مما يجعل الكاتب بحاجة الي موقف سياسى يضعه في صورة الكاتب المضطهد والذى يتعرض للقمع وتحظر كتبه ولا يستطيع التعبير عن افكارة وسط ذلك الطوق الذي يحرم علي الكاتب أفكاراً بعينها خاصة التي ترتبط بالدين ، العقيدة او السياسة .
لاشك ان منع كتب بوعلام في الجزائر إنما هو يرجع بالدرجة الاولى الي كسر المحرمات المتغلغلة في نسيج المجتمع الذي اشتهر بقصة كفاح عاصفة في التحرر من الاستعمار الفرنسي لذك يصبح من الصعب تقبل فكرة انتقاده لجيش التحرير بل واتهامه له بتجنيد هذا النازي هانز شيلر المتهم بجرائم حرب وهو الأمر الذي قد يطرح تساؤلات عن حقيقة ما قام به جيش التحرير من تعذيب وقتل!
يبلغ صنصال من العمر 61 سنة وهو من الأدباء الجزائريين القلائل الذين لم يرحلوا من بلدهم رغم أنه يكتب كتبة باللغة الفرنسية ويعيش في بومرديس التي تبعد عن الجزائر العاصمة بنصف ساعة بالسيارة إلا أنه بدأ الكتابة في سن الخمسين في عام 1999 عندما نشر روايته quot;قسم البرابرة quot;ومنذ ذلك التاريخ كتب 12 رواية أخري ومجموعة من الكتب ومن ثم اشتهر بتوجيه انتقادات علنية وحادة الي النظام في بلاده مما تسبب في منع الكثير من كتبه في الجزائر .. وهو لم يحيد عن نضاله من أجل حرية الكلمة وتشجيع الحوار الديمقراطي حتي يمكن التصدي لإستبداد السياسي والإرهاب ورغم ان الجزائر شهدت طفرة اقتصادية بسبب ارتفاع اسعار النفط الا انه يري ان بوتفليقة لم يغير الواقع الداخلي للبلاد التي تحكمه الديكتاتورية حيث لا يوجد هامش للحرية السياسية في ظل تفاقم اوضاع البطالة .
معروف ان معرض فرانكفورت الدولي للكتاب هو أكبر تظاهرة دولية ثقافية تعنى بالكتاب والأدب بصفة عامة، وهو يعتبر المعرض الأهم في العالم في عالم الكتب ،ويبلغ عمره الان أكثر من خمسة قرون.
وفي كل عام يحرص عشرات الألوف من المثقفين والكتاب والباحثين والناشرين من كل البلدان علي حضور هذا المهرجان العالمي الكبير ، ويجد زوار المعرض في كل عام عشرات الألوف من الكتب المختلفة من كل الثقافات وفي كل المجالات ، في كل عام أيضا يحل على هذا المعرض ضيف شرف جديد وايسلندا كانت ضيفة شرف هذا العام، ولا يعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب فقط مجرد سوقا يلتقي فيه البائعون والمشترون لعقد الصفقات التجارية، إنما هو بالدرجة الأولى منبر لتبادل المعارف والحوارات، حيث تقام على هامشه وكجزء من فعالياته العديد من الندوات الثقافية والأدبية وحلقات الحوار والنقاش والمحاضرات وغيرها من الفعاليات الثقافية التي يشارك فيها في العادة كبار الأدباء والكتاب والفنانين والمبدعين في مختلف المجالات المعرفية والعلمية.
[email protected]