إيلاف: أسدل الستار في دبي على الدورة الخامسة من مهرجان دبي لمسرح الشباب، والذي تنظمه هيئة دبي للثقافة والفنون كل عام، ضمن مساعيها لتكريس دبي كعاصمة ثقافية واعدة، على الرغم من انشغال دبي بسياساتها لمواجهة التحديات العالمية الاقتصادية والسياسية، مما يجعل الثقافة لاتتربع على رأس سلم الأولويات، ولكن لا زال هناك حرص أن تبقى الثقافة في سلم اولويات دبي بغض النظر عن ترتيبها، والدليل حرص دبي على اقامة هذا المهرجانالشبابي، والذي اطلق دورته الاولى عام ٢٠٠٧، ضمن ورشة مسرحية اطلقت بعض طاقات الشباب المسرحي في دولة الامارات العربية المتحدة عموماً، وليست دبي فحسب، لينطلق بعدها المهرجان بدوراته الخمس دون الجمود عند نقطة البداية، بل منطلقاً بتطوير آلياته وتحديثها، والمتتبع للمهرجان يلحظ هذ التطور، ليعزز المهرجان مكانته كنافذة مشرعة للشباب المسرحي الاماراتي لابداعاتهم وتتويجاً لتجاربهم المسرحية.
ولعل المهرجان بدورته الخامسة يفتح الباب لطرح خمسة افكار أساسية حول المهرجان، ليس من باب نقده او تقييمه وانما من باب توثيق واقع المسرح الاماراتيبشكل عام وواقع المسرح الشبابي بشكل خاص، من خلال مهرجان دبي لمسرح الشباب كنموذج للمهرجانات الاماراتية.

الفكرة الأولى: تتعلق بالفنانين المسرحيين الشباب في الدولة، اذ أن مفهوم المشروع الابداعي لدى الشباب في المسرح الاماراتي هي فكرة غائبة في المجمل فمن خلال ١١ عرض مسرحي، لم تظهر ملامح مشروع إبداعي واضح فيما قدم من اعمال مسرحية، على الرغم من مشاركة بعضهم للمرة الثالثة او الرابعة سواءً في التأليف أو الإخراج أو التمثيل، مما يضعف ما تبقى من عناصر فنية للعرض المسرحي بشكل عام، مع مراعاة مع استثناء مشروع المخرج الشاب حمد عبد الرزاق الذي حاول أن يضع مشروعه في اطاره الفكري حول الهوية الوطنية وتحدياتها مع ضعف في بناء مشروعه الاخراجي، ومشروع الكاتب جاسم الخراز الذي ركز على الملمح الانساني للشخصية الإماراتية، مركزاً على اسلوب ادبي يعتمد على رشاقة الحوار وإنسانية الكلمة، مع الاشارة أيضاً إلى المشروع المشترك لكل من الفنان مروان عبدالله كمخرج وطلال محمود ككاتب، وهو الامر الذي يجب تعريفه وتكريسه في الجيل الجديد للمسرحيين الإماراتيين، بالاستفادة من تجربة من سبقهم من فنانين كان لهم مشروعهم الابداعي الواضح كالمخرج محمد العامري والمخرج عبدالله المناعي والكاتب المسرحي اسماعيل عبدالله.

الفكرة الثانية: فهي من نصيب إدارة المهرجان عندما جعلت صبغة المهرجان هي الثقة المسؤولة بروح الشباب وتعزيز قدرتهم على تمثيل أنفسهم، بدءاً من مشاركة أحدا عشر مخرجاً مسرحياً شاباً باعمالهم المسرحية ممثلين بذلك فرقهم المسرحية. ومروراً في اقامة وورشة التصوير الضوئي للعروض المسرحية والتي شارك فيها مجموعة من الشباب والشابات، ليرافقوا فعاليات المهرجان، وتكون صورهم هي الصور المعتمدة في نشرة المهرجان ووسائل الاعلام، وانتهاءً بتكريم الخبير المسرحي السوداني يحيى الحاج الذي طالما عمل على تدريب وتأهيل الشباب المسرحيين في تكريم هو الاول من نوعه في المهرجان لشخصية مسرحية غير إماراتية، وتوجيه رسالة واضحة بحفظ الجميل لمن يقف إلى جانب الشباب المسرحي في الامارات.

الفكرة الثالثة: فتتناول آليات المهرجان وما ينتج عنها من اعمال مسرحية لتكون بمستوى الحدث، فالمهرجان ينتمي في تصنيفه إلى مهرجانات الهواة كما أوضح الفنان والمخرج الاردني غنام غنام خلال الندوات النقدية للمهرجان، وذلك بسبب ضعف التجربة الإخراجية لدى المخرجين المشاركين فهم لم ينتسبوا الى الأكاديميات المسرحية لعدم توفرها في الدولة، ولم يكن معظمهم مساعداً للإخراج في عمل مسرحي، وهو ما يعتبر شرطاً أساسياً لتسمية المهرجان بالشبابي، وقد التفتت لجنة التحكيم لهذه المسألة واشارت له في توصياتها لتعديل آليات المهرجان بحيث تقتصر المشاركة على المخرجين الشباب ممن لديهم مشاركات كمساعد مخرج أو تخرج من احد الأكاديميات المسرحية، او انتسب لورشة متخصصة في الإخراج المسرحي.

الفكرة الرابعة: لمن يقرأ الخارطة المسرحية الإماراتية يعرف أن الفعل المسرحي هو فعل مرتبط بالمهرجانات المسرحية، من ايام الشارقة المسرحية ومهرجان دبي لمسرح الشباب مروراً بمهرجان الامارات لمسرح الطفل، لذا فان العمل المسرحي يخلق تلبية لحاجة المهرجان على عجل وبصورة طارئة لغياب المؤسسية في الفرق المسرحية، وغياب التعامل مع المنتج المسرحي كمشروع مؤسسي يحتاج إلى التخطيط والتروي في اختيار المخرج المكلف والاشتغال على عمله المسرحي بتأمل وهو ما افتقد بشدة خلال فعاليات المهرجان، اذ تلحظ حالة اللهاث في إنجاز العمل واختيار تلك الصور النمطية في الأداء ومعالجة النصوص المسرحية كحل سريع لانقاذ الموقف.

الفكرة الخامسة: امتلكت هيئة دبي للثقافة والفنون رؤية ثاقبة حول الشباب منذ لحظة اقامة هذا المهرجان وحتى يوم ختامه، حين قررت الهيئة بامر من سمو الشيخ ماجد بن محمد آلِ مكتوم مدير هيئة دبس للثقافة والفنون، بإرسال النخبة المتميزة من الشباب المسرحيين للاطلاع على التجارب المسرحية حول العالم، وذلك بعدما لمست الهيئة ان ما يعانيه الجسم المسرحي الشبابي يعود في جزء منه الى ضعف الخبرة والاحتكاك مع التجارب المسرحية الاخرى.
ولابد من الاشارة أن مهرجان دبي لمسرح الشباب ترك الآن بصمته الراسخة على خارطة المسرح الاماراتي، وتطوره إنما يسهم في تطور المشهد المسرحي الاماراتي بشكل خاص والخليجي والعربي بشكل عام، لما يشكله من نافذة مسرحية مفتوحة الأفق لإبداعات الشباب المسرحي واحتضانها.
محمد النابلسي