إعداد عبدالاله مجيد: بعد عشاء دارت فيه الأقداح عام 2008 قرر الروائي ميشال ويلبيك والفيلسوف برنار هنري ليفي ان يبدآ التراسل بينهما بشأن الأشياء التي تقض مضجعيهما. وعلى امتداد ستة اشهر، تكاتبا حول مواضيع تمتد من الاكزما الى ابيقور، ومن ساركوزي الى سارتر. والآن نُشرت هذه الرسائل المتبادلة في كتاب يضمّ بين دفتيه نقاشات ذاتية في الأساس تملأ 300 صفحة ولكنهما تناولا فيها الصفة التي يبدو انها تجمع بينهما في اذهان الجمهور أكثر من أي صفة أخرى. ويعترف ويلبيك في رسالته الاستهلالية قائلا quot;نحن كلانا شخصان محتقرانquot;.
وتقود هذه الحقيقة الى السؤال الأساسي في ارتباطهما وهو، لماذا ويلبيك وليفي مكروهان الى هذا الحد؟ يبدأ ويلبيك بتعداد الأسباب. ويشهد بأن ليفي quot;فيلسوف بلا فكرة أصيلة ولكن لديه ارتباطات ممتازةquot;، وانه متخصص في quot;البهلوانيات الإعلامية المضحكةquot;. ويمضي قائلا ان ليفي هو quot;التجسيد الثري ثراء فاحشا لاشتراكية الشمبانياquot;، وصانع ابشع فيلم في التاريخ ( فيلم quot;نهار وليلquot; الذي اخرجه ليفي عام 1997) وانه quot;رجل يسيء حتى الى سمعة قمصانه البيضاء التي تميَّز بارتدائها مفتوحة الأزرار الى الخصر تقريباquot;.
ولكن ويلبيك الذي اشتهر بروايته الفضائحية quot;المنصةquot; لا يقل صراحة في تعداد معايبه هو مشيرا الى انه quot;عدمي، رجعي، كلبي، عنصري، وكاره للنساء بلا حياءquot;. ويتابع في وصف نفسه قائلا انه quot;كاتب غير متميز، بلا اسلوب، نال صيتا ادبيا قبل سنوات نتيجة خطأ غير معهود ارتكبه نقاد التبست عليهم الأمورquot;.
وما يلي تأملات استطرادية كوميدية (عن عمد أو عن غير قصد) في ما يقول ليفي انه رغبة سرية لدى جميع الكتاب هي quot;الرغبة في ان يزعجوا والرغبة في ان يُدحَضواquot;.
وتزخر الرسائل بجلد الذات والمهانات والمذلات وحملات التشهير التي يتذكرانها من عقود مضت. ويتوقف ليفي، على سبيل المثال، عند الاتجاه الباريسي نحو quot;مآدب العشاء المعتوهةquot;، التي يبدو انها تقليعة شائعة بين مثقفي العاصمة الفرنسية، كلما يُعاد عرض فيلمه الرديء على التلفزيون الفرنسي حيث quot;البلهاء هم الفيلم ومؤلفهquot;، على حد تعبيره.
ويبدأ كل من ويلبيك وليفي في مرحلة متقدمة من مراسلتهما بتحديد مصادر العداء الذي يستثيره عند الآخرين عليه والدفاع عن نفسه. ويقول ليفي ان ذاتيته وأناه هما دفاعه المكين بوجه الهجمات التي يتعرض اليها منوها بأن الحفاظ على سلامته العقلية يكمن في نرجسيته. ويدعي ويلبيك احيانا انه يستمد القوة من الغضب الذي يستنزله على نفسه رغم انه عموما يعتقد ان ما يمرّ به مماثل لما كان يحدث لمجرمي القرون الوسطى عندما يُعرضون للجمهور ورؤوسهم محشورة في آلة تعذيب خشبية بحيث يستطيع المارة أن يصفعوا المجرم ويبصقوا عليه.
ويكتب تيم آدمز في مراجعته مراسلات ويلبيك وليفي في صحيفة الغارديان ان هناك الكثير من الانتهازية التي تلتمس المنفعة الشخصية في هذه المآزق الوجودية، كما يعرفان حق المعرفة. ويعتبر آدمز ان خيار الاستشهاد من أبعد الحالات الانسانية عن الصدق وأشدها غواية. وإذا كان ويلبيك وليفي متفقين في إحساسهما بالازدراء الذي يلقونه فانهما متضامنان تضامنا مطلقا ضد مصادر هذا الازدراء.
وبمعنى من المعاني، فان ويلبيك لا يتوقع غير هذا الازدراء من الجمهور وهو فخور بوضع المنبوذ الذي يعيشه. وليفي من جانبه يتباهى حيثما وجد سببا للتباهي. ويتسابق الاثنان على إيجاد صلة قربى تربطهما بمغتربين كبار أُسيء فهمهم في السابق مثل رامبو وبودلير ودستويفسكي وفولتير.
ويوجه الكاتبان في مرحلة من المراسلات اهتمامهما نحو الاقتصاد الفرنسي وتراجع فرنسا المزمن بوصفها قوة صناعية وما تبقى من سماتها كقوة دولية. ويقترح ويلبيك ان ما تبقى من دواعي الاعتزاز القومي لدى فرنسا هو أكلة فخذ البط المحمر وكنائسها من الفترة الرومانسية واجبانها المصنوعة من الحليب الخام. ويكتب آدمز ان ويلبيك كان يستطيع ان يضيف الى هذه السمات القومية تقاليد عصر التنوير التي اتاحت مثل هذا الجزء من المراسلات الممتعة واصفا الكتاب الذي صدرت طبعته الانكليزية بعنوان quot;اعداء الشعبquot; بأنه كتاب فرنسي بامتياز يصعب تخيل معادل له بين الكتاب والفلاسفة البريطانيين.