محمد الحمامصي من القاهرة: يتمتع الروائي والقاص هشام الخميسي برؤية متميزة سواء في كتابته للقصة القصيرة أو الرواية، حيث يعتمد البعدين الفلسفي والواقعي في رؤيته للقضايا الإنسانية التي تتجلى في المجتمع، وقد صدر له أخيرا عن دار أربيسك روايته quot;متاهة الصعودquot;.
حول تجربته وروايته الجديدة كان هذا الحوار.

** كثير من الروائيين كتبوا القصة وكثير من القصاصين كتبوا الرواية وظل الروائي روائي والقاص قاص، قليلاً جداً من برعوا في الفنين معاً لذلك على الكاتب أن يعلم في أي لون منهما تكمن موهبته؟.
والإجابة على السؤال لا تأتي سريعاً وأعتقد أنني لم أملك الإجابة عليه بعد. وربما على الكاتب أن يترك أو يطلب المساعدة من القراء للإجابة على السؤال، وكل نص يقدمه هو طلب من قرائه للمساعدة، فرواية quot;متاهة الصعود quot; والمجموعة القصصية quot; للبكاء أنواع quot;، كذلك الرواية التي هي تحت الطبع quot; جمهورية الخراف الملكية quot; هو طلب للمساعدة وتقديم يد العون من قرائي.

** لتضع لنا مفهومك لكتابة القصة والرواية في ضوء ذلك؟
** ** القصة القصيرة أشبه بقطاع رأسي للحياة والرواية قطاع عرضي، القصة بئر والرواية نهر، في القصة القصيرة لا يستطيع الكاتب أن يقترب من المباشر أو الأسلوب الخبري فهي تصيب هذا الفن إصابات دامية لكن في الرواية يمكن للكاتب أن يقترب من المباشرة لكن بحذر وحرفية.
في الرواية يستطيع الروائي أن يكتب بأكثر من فكرة، وبقراءات متعددة وعلى عدة مستويات.
القاص يمكنه ذلك في قصته لكنه يواجه صعوبات شتى فقصته ومضة سريعة ومساحة زمنية قد تكون برقية تلك الصعوبات لا تواجه الروائي، يضاف إلى ذلك الجمهور والقراء، فجمهور الرواية عريض مقارنة بجمهور القصة ولأسباب كثيرة ومتعددة، ليس فقط جمهور وقراء الرواية أكبر وأعرض من القصة القصيرة لكن الرواية تحتل الآن أرضاً كانت فيما سبق للشعر ليس فقط في مصر والعلم العربي بل والعالم أجمع. لكن عملية التحول ليست بقرار من الكاتب ليواكب متطلبات السوق فنحن لسنا أمام منتج صناعي يتم تحويل خط الإنتاج في المصنع ليواجه اتجاهات الطلب ورغبات المستهلكين.

** معظم الشعراء والكتاب بعد صدور أعمالهم الأولى هجروا مسقط رأسهم إلى القاهرة لكنك تصر على البقاء في دمياط على ساحل البحر المتوسط، كيف هي حركة الإبداع لديكم؟
** في الأقاليم قطعاً حركة الإبداع تختلف عنها في العاصمة، وهذا الاختلاف يتأثر بأشياء متعددة الطبيعة الجغرافية تترك أثرها على الإبداع والمبدع، ففي مدينة ساحلية كدمياط تجد التنوع ماثل أمام عينك رغم مساحتها الجغرافية المتوسطة وكذلك كثافتها السكانية ففي دمياط تجد عبقرية المكان حاضرة ففيها النهر، والبحر، والبحيرة، وعند أقصى نقطة في الشمال يلتقي النهر بالبحر فيما نطلق عليه هنا quot;منطقة اللسانquot; التي هي مزار لكل المصريين والعرب بل والعالم أجمع بخاصة في فصل الصيف، ولدينا شاطئ ممتد من بورسعيد شرقاً حتى حدود الدقهلية غرباً ومصايف رأس البر، ودمياط الجديدة، وجمصة الأقرب جغرافياً لدمياط رغم وقوعها إدارياً لمحافظة الدقهلية.
التنوع الجغرافي ليس هو الوحيد فتجد التنوع الاقتصادي فدمياط تسمى quot; يابان مصر quot; لذلك الوافدون إلى دمياط وميناءها للعمل من كل أقاليم مصر بخاصة أهلنا في الجنوب فأثرى ذلك وأضاف
مزيداً من التنوع والتعدد انعكس إيجابا على حركة الإبداع والمبدعين.
لكن لا أحد يستطيع القول أن أدباء الأقاليم لا يواجهون مشاكل شتى وبالطبع معهم أدباء دمياط فنحن نعاني من التهميش وصعوبة النشر والانتشار الناتج عن البعد المكاني والمعرفي عن وسائل الإعلام المختلفة quot;مقروءة، مسموعة، مرئيةquot;.

** حدثنا عن خطواتك الأولى مع كتابة القصة القصيرة؟
منذ خطواتي الأولى مع الأدب وعالم نجيب محفوظ يشدني ورغم التهامي أعماله الروائية تقريباً كلها في تلك الفترة لكن بدايات كتاباتي وتجاربي الأولى كانت مع القصة القصيرة فربما التأثر بكتابات تشيكوف كان أقوى رغم أنها جاءت لاحقاً، فكتبت العديد منها ظل حبيس الأدراج حتى رأى البعض منها النور في مجموعتي الأولى quot; للبكاء أنواع quot; وربما لن يواتي الحظ الكثير مما بقي من تلك الكتابات فترى مثل زميلاتها النور، فالآن وبعد سنوات من الكتابة تولدت قواعد صارمة لما يصلح أو لا يصلح للنشر.

** مجموعتك quot;للبكاء أنواعquot; تعترك مع رؤى مفصلية في الحياة كالروح والجسد والموت والخلود، هل لنا أن نتعرف على عالمها؟
في المجموعة القصصية quot; للبكاء أنواع quot; كثير من أبطال القصص يحاولون أن يقتربوا من لغز الموت في محاولة لفك ولو قليلاً من شفراته والإجابة عن بعض أسئلته لكن الأسئلة تظل بلا إجابة ويعودوا من رحلة البحث محملين بالمزيد من الأسئلة التي ستضاف إلى سابقتها التي هي بلا إجابة.
فيسأل كل شخص ذاته: quot; هل لحسن حظ الإنسان أن تظل الأسئلة الكبرى ومنها الموت بلا إجابة؟quot;
والإجابة هنا بنعم أو بلا غير مجدية. هل لحسن حظه؟ فيكون الضحك، أم لسوء حظه فيكون البكاء، أم الاثنين معاً لذلك تتراوح حياة الإنسان بين الضحك والبكاء، وبكاء يشبه الضحك، وضحك يشبه البكاء. العلم هنا عاجز، يقف مقيد بل مقطوع الأيدي في الإجابة على تلك الأسئلة المصيرية، وعندما يعجز العلم ويسلم بالهزيمة يبدأ الفن والفن لا يقدم يقين ولا يبحث عنه لذلك لا يعرف مفردات كالنصر، والهزيمة، الموت، والفشل لذلك فهو المؤهل لخوض غمار رحلات البحث في وعن quot;الموت، النفس، الروح، الخلودquot; وغيرها مثل قضية الحرية والاختيار فتطرح إحدى قصص المجموعة سؤالاً:هل يستطيع الإنسان أن يتخلى عن حريته ويتنازل عنها مقابل إعفاءه من الأمانة أو من تبعات تلك الحرية؟ أو هل يستطيع الإنسان أن يكون محايداً؟ وتأتي الإجابة:quot; الحجر، الشجر، الدودة، الكلب quot; هي فقط المتاحة أمامها الحياد. في القصة القصيرة محاولة الكتابة على مستويات متعددة مهمة شاقة وعسيرة لكن لا مفر أمام القاص من المحاولة ويترك تقييم الفشل والنجاح لقارئه قبل ناقده. فعلى مستوى آخر من المجموعة أبطالها يحالون جلب الأمن، الشفاء، الرغيف، موزعين بين رغبة حقيقية لاصطياد فرحة ولو عابرة، وبين ضغوط مجتمعية تمنع عنهم الرحمة وراحة البال. وعلى مستوى آخر داخل المجموعة محاولة إعادة صياغة المواقف الإنسانية في قوالب سردية بسيطة مع أفكار تتحدث عن القهر وسيطرة الخرافة والمرض فكثير من الأحداث الرئيسية تدور في مستشفيات الفقراء ودور رعاية المسنين ودور الأيتام، والأرصفة، إنه العالم السفلي للمهشمين والضعفاء،بل إنه عالمهم الطبيعي.

** هل وجدت صعوبة في الانتقال للرواية؟
** مع الرواية تتغير كثيراً من المعطيات وأريد هنا أن استعير أو استخدم مصطلحات من عالم كرة القدم، فالرواية تعني اللعب على كامل أرضية الملعب والقصة تعني اللعب داخل الصندوق، واللعب في الصندوق يختلف، حتى القوانين تختلف فالخطأ الصغير يعني ضربة جزاء التي تعني هدف في مرماك وربما ضياع المباراة كذلك القصة فالخطأ الصغير الذي هو ربما شيئاً من الإخبار يعني السقوط في المباشرة وربما ضياع النص.
مع الرواية أحياناً المباشرة مطلوبة ولكن بحرفية وحذر كما المخالفات مطلوبة في منتصف المعلب بحرفية وحذر أيضاً حتى لا تؤدي للطرد من المعلب فيخسر المدرب أحد أطراف فريقه كم يخسر الروائي أحد أدواته. والزمن هنا يختلف فالفترة الزمنية قصيرة جداً داخل الصندوق وإلا طاش منك الهدف.

** تطرح في quot;متاهة الصعودquot; إشكالية الانتهازية ولكن برؤية مختلفة؟
في رواية quot; متاهة الصعود quot; وأرى ليس من حق مؤلف النص أي نص أن يتكلم عنه كمالك له quot;أي يمتلك الحقيقة المطلقة له quot; فالنص ملك لمتلقيه ومن تلك الزاوية يجوز له - أي المؤلف - أن يتناول النص كقارئ أو كمتلقيquot;، إذا كان لديك سؤالاً حول النص فأخر من تتوجه إليه بسؤالك هو كاتب النص quot;رولان بارتquot; ومن خلال إحدى القراءات يحاول النص أن يرصد محاولات الصعود الصاروخي والانتهازية التي اصطبغ بها الكثير خلال تلك الحقبة ومنهم بطل الرواية، ففي محاولة بحثه عن صاروخ للصعود به أو مركبة فضاء يمتطيها فيجد أن تلك المركبة لا تتوفر إلا تحت مسميين quot; السلطة، الدينquot; فيستقل مركبة الدين لنتابع معه محطات ارتقائه وخطواته في رحلة الصعود.

** من الانتهازية إلى التجريف والتخريب في رواية quot;جمهورية الخراف الملكيةquot;؟
في الرواية التي هي تحت الطبع quot; جمهورية الخراف الملكية quot; التي كُتبت قبل أحداث ثورة يناير محاولة لرصد أخطر عورات الفترات الماضية من تاريخنا منذ منتصف القرن الماضي حتى بداية الألفية جريمة تشترك فيها كل الأنظمة خلال تلك الفترة ربما انفرد أو أضاف النظام السابق جرائم أخرى إضافة إلى مشاركته بنصيب الأسد في هذه الجريمة الكبرى التي لم يلتفت إليها الكثير فالكل أو الغالبية العظمى تركز وتتحدث عن التجريف السياسي والتركيز على التجريف الاقتصادي أكبر ومعه التجريف الأخلاقي.
تجريف وتخريب العقول هو أخطر من كل أنواع التخريب ربما لا يقل خطورة عن التخريب الأخلاقي، جريمة تجريف العقل بوعي أو بدون وعي، بقصد أو بدون قصد هي ما محاولة الرواية رصده على مدار خمس سنوات كتبت فيها الرواية من عام 2005 إلى 2010.
بمحاولة استخدام تقنيات ليست تقليدية فالجريمة ليست تقليدية، فيجب استخدام أساليب جديدة في الحكي، والسرد، والحوار، فالزمن لا يسير بشكل خطي، وكذلك الشخصيات بخاصة بطلة الرواية.
يناسب ذلك ما حاولت الرواية التصدي له لإحداث جلبة للفت الأبصار دون صوت زاعق أو صراخ إنها مجرد محاولة.

** كيف ترى لحركة الإبداع الروائي في السنوات الأخيرة؟
** لا يمكن فصل حركة الإبداع الروائي عن حركة الإبداع بصفة عامة من تردي طبيعي ومنطقي في ظل الأنظمة الاستبدادية السابقة خلال ما يزيد عن نصف قرن، وأكرر أنه ترد طبيعي ومنطقي فالقاعدة تقول quot; الأنظمة الاستبدادية قد تستطيع أن تصنع عالم أو مهني، لكنها لا تستطيع صنع أديب أو مفكرquot;، أدباء روسيا العظام تولستوي، ديستوفسكي، تشيكوف وغيرهم قبل عصر الاستبداد، كذلك عندنا طه حسين، العقاد، الحكيم، ونجيب محفوظ ويوسف إدريس.
إذا فصلنا النجاح التسويقي، والإعلامي، وصناعة السينما وقياس النجاح بإيراد الشباك، والاعتماد فقط على ميزان التقييم الفني نجد الازدهار الروائي خادع، ولا يضيف للرواية المصرية والعربية غير القليل، واستثني رواية quot;عزا زيل quot; للمبدع يوسف زيدان فهي تمثل إضافة كبيرة للرواية العربية بل والعالمية.

** هل كتبت متأثرا بثورة 25 يناير وكيف ترى لتأثيرها على الأدب؟
** من المبكر جداً الحديث عن أعمال روائية أو قصصية أو شعرية تتناول ثورة يناير فالأديب يسير في الاتجاه المعاكس للصحفي، الصحفي يقتنص الحدث وهو ساخن والأديب ينتظر حتى تختمر الأحداث، وكل الأعمال الأدبية التي صدرت محاولة للحاق بمقتضيات العرض والطلب أو للحاق بالسوق، فالعمر الافتراضي لها قصير، فالأدب يفقد أعمق ما فيه عندما يتوجه للسوق.
بعد ثورة 25يناير نحن في حركة الإبداع الروائي بانتظار نجيب محفوظ جديد ويوسف إدريس آخر في الإبداع القصصي، وأعتقد أنه لن يطول انتظارنا فمعطيات جديدة ولدت فالحواجز حُطمت أهمها حاجز الخوف وبدأ تحرير العقل، وأقول أنها مجرد بداية لتحرير العقل ينبغي أن تتبعها خطوات بل أميال أهمها على الإطلاق إصلاح التعليم، التعليم الذي يُمكن من إنتاج العقل النقدي، عقل الابتكار لا التقليد.
قبل ولادة العقل الجديد والروح الجديدة لا يمكننا الحديث عن الإبداع ومستقبله سواء أكان في الرواية، القصة وغيرهما.
إنها أكبر مهام ثورة يناير ولادة عقل مبدع وبعث روح متحررة، وإن لم تحدث الولادة ويقع البعث سنقول أو ستقول الأجيال القادمة ثورة يناير فشلت في تحقيق أهدافها، وعلينا أو على الأجيال القادمة تفجير ثورة أخرى.