مراد النتشة من الفجيرة: لم يكن يمر العرض المسرحي المونودرامي quot;سوناتا الربيعquot;، الذي عرض ضمن فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، دون أن تتضح معالم هموم الشارع العربي التي طرحها المؤلف الصحافي جمال آدم، ولونها إخراجياً ماهر صليبي، وأبدع في نقلها وبشهادة الجميع الممثل السوري مازن الناطور الذي أضحك الحاضرين، ثم أبكاهم وأدهشهم في نهاية المطاف، متنقلاً بين اللوحة والأخرى بشكل متدرج دون أن يشعرك من خلال تعابير وجهه أو حركات جسده، ليعلن quot;سوناتاً عربياًquot; مسرحياً هادف.
أظهر النص المسرحي الذي كتبه جمال آدم، قوامه الحب والوجع على الوطن العربي، ووضع المتلقي أمام ما يمكن إعتباره جردة حساب، ومكاشفة تتعقب هموم شخصية تلخص أوجاعها آلام آلاف المواطنين العرب في كل مكان، وتتحدث بلسانهم.
يُحمل مازن الناطور من خلال quot;آدمquot; شخصيته التي دفعت ثمن كرامتها طردا وإعتقالاً ومهانة، مسؤولية إختصار مانمر به الآن، تأخذنا هذه الشخصية في رحلة بين الماضي والحاضر، الخاص والعام، وتضعنا على حواف إنهيارات تتجاوز الشخص لتكون نموذجاً عن جملة من الإنهيارات التي عاشتها النخب العربية من ضيق وحصار وتهميش على مدى سنوات طويلة، وليس أمامك الكثير من الخيارت، إما أن أن تنصاع لمنظومة الفساد أو أن تدفع الثمن وهذا ماحدث، إلا أنه يحيلنا في الوقت ذاته إلى ذلك الشرخ الذي لايمكن إصلاحه أو ترقيعه بوعود وآمال كاذبة، ويضعنا أيضاً امام السياق الزمني الذي تضاعفت فيه الأزمة وتفاقمت إلى أن صار الإصلاح ضربا من الخيال، تقول الشخصية (لابد من هدم هذا البيت وإعادة بنائه من جديد). البيت المكشوف الذي لا سقف له، البيت الهش الذي لايحمي، البيت الذي يمثل نموذجا مصغرا لوطن قابل للإنهيار في أية لحظة.
نص آدم يحمل في طياته مجموعة من الرموز التي كان يمكن الإكتفاء بها من دون الدخل في تفسيرات متلاحقة نقلت العرض من سحرية مضمرة، إلى شكل مكشوف من الفرجة التي تعيق التأويل ولا تترك مساحة جدلية في عقل المتلقي.
المخرج ماهر صليبي بذل جداً ملموساً في خلق أرضية بصرية تتشابك مع العرض، وتتحول إلى فضاء مواز لمضمون العمل من دون الدخول في تفسيرات له، أنجز صليبي شكلا ذكياً، الشاشة الذاكرة، الآنا، الآخر، لكن هذه الشاشة النافذه، التي منحت العمل بعداً بصرياً شيقاً، تجاوزت دورها من عنصر مكمل إلى آداة تفسيرية وخاصة مع مشهد الإعتقال والضرب الذي لم يضف إلى العمل، خاصة أن آلية الإعتقال والتعامل مع السجناء في الأقطار العربية باتت أمراً معروفا ونشاهده يومياً على شاشات التلفزة.
خلق صليبي للممثل مازن الناطور مساحات عدة ليشغلها بحضوره كممثل يقف في عرض موندرامي، ليظهر الناطور في أحيان كثيرة متردداً ومقتصداً، لم يبدو مستعداً للمغامرة خارج الخطة المرسومة، وحافظ على وجوده داخل بنية الشخصية، من دون إسترسالات تذكر- كنا نتمناه أن يواصل الرقص حد الإنهاك- لكنه تمكن في مواقع كثيرة من خلق علاقة ملموسة مع الجمهور الذي تفاعل مع العرض بشكل واضح، وهي قيمة تتجاوز الملاحظات التي يمكن الإشارة إليها.
مايمكن الإشارة إليه في هذا العرض هو ضرورة أن يحدد خياراته بين الرمز أو المباشرة، ففي لحظات تبدو الحالة المسرحية متقدة ولماحة ومشاكسة، ثم سرعان ما تذهب نحو الشرح، بعض التوظيفات الموسيقية بدت إستجدائية.