يُوهمك الشاعر علي سباع في باكورته quot;بأبواب المدينة كلهاquot; الصادرة عن دار الغاوون الطبعة الأولى 2011، أنك مقبل على مدينة حقيقية مشرعة أبوابها من اللوحة الفنية التي اختارها كعتبة أولى لنصوصه من أعمال الفنانة مريم آل ابريه، التي تمثل تهويمات وظلال لمدينة سوريالية يختلط بها كل شيء بداية بالأبواب والنوافذ لقبة مسجد مطوق وكيان رجل. ويجهد بسعي حثيث بأن يرمز لقصيدته بترك سجيته تكتب ما شاءت، كيفما شاءت، بدون quot;شكلquot; محدد متى جاءت لحظة الكتابة. غير أنه يملُّ - بدون مسوغ لهذا الملل - بسرعة في نصه الطويل quot;عتبات مهملةquot;: quot;تباً لكل قصيدة لا تستطيل مدينةquot; ليكشف اللثام عن ترميزه للقصيدة في عنوان مجموعته المبهم quot;بأبواب المدينة كلهاquot; في ذات النص: quot;تبا لكل مدينة أبوابها موصودةٌquot;.
في هذا التغليف للرمز والمواربة: بالمدينة والأبواب والقصيدة يستحضر توبة الأموي في بيته الشهير: quot;ملأ الهوى قلبي فضقت بحمله/ حتى نطقت به بغير تكلفquot;، ليتجاوب مع كنهه التي ضاقت بحمل القصيدة، ثم يتساءلquot;ما اسم رائحة القصيدة إنني أدمنتهاquot;؟
أيضا تراه يحاول وهو مكدود الخطى quot;إن كانت الأبواب موصدة/ فلديّ ما يكفي لقطع أصابع أخرى/ وإن نزفت أعلم كل أضلاعي الكتابة من جديدquot; ومع ذلك quot;لم يقل يوما لشاعرة ولو كذباً/ إن القصيدة (قصيدته) خائفة/ مثل الخرائط، مثل لوحات الطريق، ومثل أبواب المدينة واقفةquot;.
يحتاج علي سباع إلى قدر كبير من الجرأة ليقتحم فضاء مجموعته لا أن يتدثر بخوف كما في هذا المقطع: quot;كنقطة في بداية النهدِ/ في أسفل الحب/ ذاكرة لا تمحى من قميص الملائكة/ كعينيك أيضا كلما اشتد بياض قلبيquot;. أشطب مفردة quot;الحبquot; لأضع مكانها quot;السرةquot;. لأجد أن المقطع يتماهى في عالم غير العالم.
وفي نص quot;ليلى من الذئبquot; ثمة ما هو مزعج في نهايته التي ستكون أكثر دهشة لو أبقى على quot;أنت بكرquot; وتخلص من quot;ما دمت على قيد الحياةquot; يكفي أن يلمح، ويعرض لتزداد رقعة التماهي والخلق في فضاء النص.
يجيد علي سباع اقتناص الجمل الشعرية بامتياز غير أنه يضيق بنصه حينا وحينا يظلمه بتشعبه وعدم تهذيبه ولا يهتم في وحدة موضوعيته، على بابها الحادي عشر quot;لا جنة خلفيquot; نموذجاً، النص متجاوز بلغته الفنية والشعرية الطافحة: quot;جسدي من رجل / كنتُ صغيرا عندما استدرجني في آخر الليل إلى غرفته.. قال : تعرّ!/ وكأني كنت وحدي/ لم يكن يفتح في الظلمة شيئاً...quot;.
إلى أن يقول : quot;أنا أرجوك، لا جنة خلفي، لا تحطمني/ تعرّ/ قالها ثم هتك/ ترك الشباك مكسوراً على سقف سمائيquot;.
ولكن تختلط عند علي سباع الرؤى والأشياء والمسميات بشطحات السرياليين ليكمل نصه على غير هدى بنفس الإيقاع ليتداخل كل شيء بكل شيء ، وتضيع دهشة quot;لا جنة خلفيquot; في فضاء نصه الطويل/ المتشعب.
المجموعة التي امتدت إلى 94 صفحة، فيها من الفتنة ما يكفي لئن تبتهج وتبارك مشروع الشاعر وتتمنى له كل جرأة وخلق في فضاءات النص الشعري.