عبد الجبار العتابي من بغداد: أكد الدكتور كاظم المقدادي أن عدد قراء الصحف الالكترونية في ازدياد مستمر، فيما نسبة قراء الصحف الورقية الاعتيادية في انخفاض وفقًا لدراسات في هذا المجال.

مشيرًا إلى أن صحيفة quot;إيلافquot;، التي صدرت في لندن عام 2001، تعدّ أول صحيفة الكترونية عربية، ومن بعدها كتجربة ناجحة بإمكان متصفح الانترنت العربي العثور يوميًا على المزيد من الصحف الالكترونية العربية الوليدة، التي لم تتعد أعمارها أيامًا أو أشهرًا.

وأوضح المقدادي في حديث حول كتابه الجديد، الذي أصدرهأخيرًا quot;تصدع السلطة الرابعةquot; quot;أن تجربة quot;إيلافquot; الرائدة في مجال الصحافة الالكترونية العربية فتحت المجال أمام الآخرين لإطلاق الصحف الالكترونية، ولكنها ظلت متميزة في ما تقدمه لأنها ما زالت تحتل النسبة الأكبر من جمهور ومتصفحي الانترنت، وسط هذا العدد الكبير من الصحف والمواقع، التي تملأ مساحات الانترنت، وذلك من خلال متابعتي اليومية لهاquot;.

وقال الدكتور المقدادي، وهو أستاذ الإعلام الدولي في جامعة بغداد: إن كتابي، الذي حمل عنوانًا عريضًا هو quot;تصدع السلطة الرابعةquot;، مع إضافة توضيحية هي quot;إعادة تشكيل الخارطة الإعلاميةquot;، فيما تضمن العنوان إشارة إلى (الإعلام الدولي)، صدر من مطبعة البحر الأبيض في بغداد، ويقع في 232 صفحة من الحجم المتوسط، ويضم أربعة فصول، فضلاً عن مدخل (إلى السلطة الرابعة)، وقد أهديت الكتاب (إلى الذين يؤمنون بقدسية الكلمة (الحرية) ويبحثون عن الحقيقة (الحياة)، كما إنني اخترت كلمة لنعومي تشومسكي من كتابه (هيمنة الإعلام)، افتتحت بها الكتاب، لأنها مؤثرة، ويقول تشومسكي (إن سطوة الإعلام لدى الأنظمة الديمقراطية كالهراوة بيد الأنظمة الفاشية، فاستخدام وسائل الإعلام في التأثير على الرأي العام في البلدان الديمقراطية، يقابله إرغام الناس على قبول تعسف السلطة في النظم الاستبدادية).

وأضاف: أنا أتصور أن تلفزيون المستقبل سيكون على شكل كرة أرضية موجودة في الصالة ترتسم عليها القارات الخمس، وما علينا إلا لمس القارة أو الدولة أو المدينة، ثم ينفتح علينا العالم هائجًا كالبحر الصاخب بحوادثه المثيرة.

تناول المؤلف في الفصل الأول من كتابهالصحف الأميركية والبريطانية والألمانية واليابانية، فيما تحدث في الفصل الثاني عن الصحف الاستقصائية، بينما تطرق في الفصل الثالث إلى وكالات الأنباء الدولية، فيما خصص المقدادي الفصل الرابع من كتابه للتقنيات الحديثة، التي دخلت في عمل السلطة الرابعة، مثل الإنترنت والصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والهاتف النقال، وكل تلك الفصول جاءت محمّلة بالكثير من المعلومات التاريخية عن كل ما حاول رسم ملامحه ومناقشته.

يقول المقدادي في مقدمة كتابه: في ضوء استقراء المناخات الإعلامية الجديدة، وتزايد دور وسائل الاتصال، البصرية بشكل خاص، على حساب مفهوم الإعلام ووسائله، فإن العالم يعيش اليوم مرحلة جديدة من مراحل التحول الإعلامي المثير، الذي جاء نتيجة حتمية لحركة التطور المذهل فيمشيرةوسائل الإعلام.

واضاف quot;إن هذا التحول المتسارع أفرز3 مسلمات أسهمت في إعادة تشكيل الخريطة الإعلامية القديمة: ثورة المعلومات وبنوكها المتعددة، وثورة وسائل الاتصال بتقنياتها المتداخلة، وثورة الحاسبات الإلكترونية وإنتاج مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل أهم نتيجة لهذا التحول، قد تمثلت في ارتفاع منسوب الاتصال على مستوى البنية الإعلامية، وكان من نتائجه أيضاً قيامه برسم وتشكيل الصور الإخبارية، وصياغة الأخبار للشعوب والدول والمنظمات والتجمعات الأخرىquot;.

وتابع quot;من الثابت أن العالم يعيش اليوم (عصر الإعلام) بكل جوارحه وتجلياته، بعدما عاش عصر الفلسفة، وعصر التنوير، وعصر الرومانسية، والحداثة، لكنه مع كل هذه التجليات يعاني تصدعًا كبيرًا، ولأن معظم الاستثمارات الإعلامية تقع في الجانب التوزيعي والترويجي على حساب الجانب المهني، إضافة إلى تراجع معدلات تنامي الجمهور القارئ، كما إن أخطر الظواهر التي تعترض طريق المهنة الصحافية تتلخص في البحث عن جمهور (إعلاني) جديد، بعد تقليص مكاتب وطواقم المحررين الميدانيين، ثم تلتقي كل هذه المخاطر بسلطة المال وسلطة السياسة، وعدم الفصل بين رأس المال والتحريرquot;.

وأكد أن بروز الجوانب الربحية والنزعة الاقتصادية جعل وسائل الإعلام في حالة سباق وتنافس، بل هي اليوم تتسبب في تلويث البيئة الإعلامية وأجوائها العليا، كما أشارت بعض الدراسات العلمية الأخيرة، غير أن الأخطر في هذا الميدان هو تسميم العقول، وتلويث الأفكار، وتضليل الاتجاهات الإنسانية، بعد سريان ظاهرة (الحمى الإعلامية).

وتابع المقدادي: هل لنا أن نتصور مليارات الحروف وهي تتطاير في الفضاء الرحب، وتتحرك كل لحظة في كل الاتجاهات، وأن وثائق (ويكيليكس) كانت قد خرجت من رحم هذا الفضاء المخيف، والمزدحم بالأسرار وبكل أنواع البثّ الإذاعي، كذلك الثورة الرقمية التي جمعت الحروف والصور عن طريق الحزم الضوئية وتشعباتها.

وقال: الغريب أننا في الوقت الذي نشهد فيه ثورة الاتصالات المتسارعة، وهذا التغير الذي طرأ على البيئة الإعلامية، لايزال البعض متمسكاً بمفهوم (السلطة الرابعة)، التي ولدت في بداية القرن التاسع عشر، والتي أراد من خلالها مستر أدمون بورك اللحاق بالسلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية) التي أعلنها في ما مضى الفرنسيّ مونيتسكيو.

وأضاف quot;كذلك لايزال البعض يتحدث عن (القرية الكونية)، التي أشار إليها في مطلع الستينات خبير الإعلام الكندي ماكلوهان، حيث إن العالم قد تم اختزالهفي (شاشة صغيرة) فرضت نفسها في زاوية كل بيت من بيوت هذا الكون الفسيح، لا بل إننا سنشهد قريباً عالم ما بعد الشاشة!، وربما نكون أقرب إلى الواقع إن قلنا إن العالم أصبح حمامًا زجاجيًا، يرى بعضنا من خلاله عورات البعض !!!.

ويمضي المقدادي في كتابة مقدمته ليصل إلى القول إن (تصدع السلطة الرابعة) هو أمر واقع على الرغم من النجاحات التي تحققت في مسيرة الصحافة الاستقصائية (فضيحة ووترغيت وأوراق البنتاغون)، لأن هذه المخاطر التي تحيط بأخلاقيات العمل الإعلامي، كانت ولاتزال أكثر مما يتصورها البعض، ولأن (السلطة الرابعة) تحولت من مبدأ الدفاع عن حريات الناس إلى خانة الدفاع عن المصالح الرأسمالية والاحتكارات المتعددة الجنسيات، اليوم.. هناك صراع مرير كي تولد (السلطة الخامسة)، التي بشّر بها خبير الإعلام الفرنسي رامونيه، بدلاً من السلطة الرابعة.

وهذه السلطة الخامسة التي تحدثنا عنها في العراق، وللمرة الأولى، تتمثل في الإعلام الجديد، بأدواته وأساليبه الجديدة، التي تبدأ بالهاتف المحمول (مشروع مراسل صحافي) والصحافة الإلكترونية الجديدة، كذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ونشوء بيئة إعلامية صالحة، قوامها منظمات المجتمع المدني.

وأوضح أن هذا التحول المذهل في مادة وتركيبة الإعلام الجديد أعاد سلطة الإعلام إلى حضن الناس، بعدما كانت في حضن الحكومات، كما إن هذا الإعلام الجديد هو في النهاية امتداد طبيعي لمسيرة وتاريخ الإعلام منذ الفتوحات الإعلامية الأولى، بدءاً بعجينة الورق الصينية مئة سنة قبل الميلاد، ومروراً بمطبعة غوتمبرغ في النصف الثاني من القرن الخامس عشر، وانتهاء بتلفزيون الواقع في الألفية الثالثة.