منذ أن غادرتْ سُمّية، وهذا البحر يتلاطم أمامي، كأنه يناديني إليه. يطلب مني الرحيل، لألتحق بمن سبقني من القرية، لم يبق إلّا أنا وهذه الأخشاب التي أرصّها لأصنع سفينتي. أرجعُ كل ليلة إلى بيتي الطيني أحاكي صمته. أجلس أمام شمعتي المشوّهة لأراقب رقصة شعلتها وهي تسليني. أنا بالكاد أغفو على سريري الخشبي لساعات قصيرة. أنام وأصحو على صوت الموج الذي يناغيني. أصحو ولا أدري، هل نمت؟ أم كنت في مكاني القديم على شرفة الشباك، أراقب سُمّية وهي تساعد أباها في لمّ الشباك وحمل سلال السمك؟.. رحلت سُمّية حين قلّ السمك وقلّت نقود الحياة. قضمتهم أسنان الفقر بقسوة، فاختصر الطعام في بيتهم، وأختفت هدايا العيد.. سُمّية ! رحلتي يوم قررتُ أن آخذك معي في رحلتي نحو جزيرة اللّآلئ، لأجعلك سعيدة، ذات صدفةٍ وذات قدرٍ جميل.
مازلت أعمل جاهداً من أول الفجر حتى نزول الشمس. طرقاتي لا تتوقف ولاتزعج أحداً، لأنه لا أحد في مساحتي يزاحمني، غير جرذانٍ تشاكس ثقوب سكني. وسلطعونات تاه منها الطريق إلى الأمام. بقى لي يومان أو ثلاثة، لأشدّ الرحال اليك سُمّية. فألتقيك هناك، خلف هذا البحر الذي فرّقنا بجفائه. مضى اليوم الأول، فاكتمل الهيكل أمامي. وفي اليوم الثاني أشعلتُ ناراً وصهرتُ القير لأطلي باطن سفينتي. وفي اليوم الأخير حملتُ متاعي وخريطة جدّي. ثم أدرت سفينتي وهيّأتها لأشقّ البحر فجر الغد. لكن الغد كان غريباً. ففي تلك الليلة عصفتِ الرياح ونزلتِ الأمطار، وهاج البحر. وتلاقفتْ أمواجه سفينتي. لتحتضنها بعيداً عن ساحلي. كان الغد مؤلماً لي، فمع الفجر رأيت المفاجأة، أنا وهذا البحر، وعتاب على فعلته. لمَ أخذتَ سفينتي؟ لم ضيّعتَ تعبي؟ وكيف هانتْ عليك ساعاتُ انتظاري؟.. أيها البحر ! كنتُ أريد أن أذهب إلى سُمّية، لأخبرها أني أحبها. أيها البحر ! قل لسُميّة أنّي حاولتُ الوصول إليها، لكنك أنتَ من منعني.. عذراً سُمّية، البحر أوجعني كما أوجعك