القاهرة: يعيد د. وسيم السيسى أحد كبار المهتمين بعلم المصرولوجيا في كتابه quot;مصر علمت العالمquot; إلى مصر وجهها الحضاري الذي حاول الأعداء طمسه، مشيرا إلى أن كتاب quot;لسان العربquot; من تأليف ابن منظور القبطي المصري، وأن quot;ورشquot; القبطي صاحب أشهر قراءات القرآن الكريم الباقية حتى الآن، وأن مصر عرفت أول حكومة فى التاريخ، والحساب والجنة والنار فى الآخرة، ومؤكدا أن أول quot; عملية تربنة quot; جراحة فى المخ جرت فى مصر القديمة 2000 سنة قبل الميلاد، وأن المصريين القدماء اكتشفوا البلهارسيا قبل quot;تيودور بلهارسquot; وسموها quot;عاعquot; والدودة المسببة لها quot;حررتquot; واكتشفوا دواءً له اسموه quot;الأنتومينquot; وقال د. وسيم السيسي في كتابه الصادر عن الدار المصرية اللبنانية، ويقع في 175 صفحة من القطع المتوسط quot;نحن نملك أعظم تاريخ، أطلق عليه جيمس هنرى برستد quot;فجر الضميرquot; لأن تاريخ البشرية كان ظلاماً قبل تاريخ الحضارة المصرية القديمة، وليس برستد وحده الذى كان مبهوراً بهذا التاريخ العظيم، بل جان فرانسوا شامبليون كان أيضاً مولعاً به حتى أنه قال quot;يتداعى الخيال ويسقط بلا حراك تحت أقدام الحضارة المصرية القديمةquot;. وأضاف د.السيسى quot;في المتحف البريطانى، قسم المصريات، شاهدت جمجمة فى صندوق زجاجي مكتوب عليه quot;عملية تربنة ndash; جراحة من جراحات المخ ndash; مصر القديمة، 2000 سنة قبل الميلاد، وكان أمامي فى طابور المشاهدة سيدتان .. قالت إحداهما للأخرى quot;انظري.. جراحة مخ من قبل الميلاد! أين كانت إنجلترا فى هذا الزمن السحيق ؟!quot;. وأوضح quot;في مؤتمر للمركز القومى للبحوث بالاشتراك مع جامعة مانشستر بالقاهرة عن الصيدلة فى مصر القديمة، ألقيت بحثاً عن العقاقير التى استخدمتها مصر القديمة فى أمراض المسالك البولية والذكورة، وقد طالبت فى هذا المؤتمر بتغيير اسم البلهارسيا من Bilharzisis إلىEgyptiasis أي مرض مصري؛ لأن مصر اكتشفت مرض البلهارسيا قبل تيودور بلهارس بآلاف السنين، وأعطت اسماً للمرض quot;عاعquot;، كما عرفت الدودة وأسمتها quot;حررتquot;، كما عرفت الدواء وهو الأنتومين، وجعلته لبوسات شرجية بدلا من الحقن؛ لأن مصر لم تعرف الحقن فى هذا الزمن القديمquot;.

وأكد د.وسيم أنه لم تتعرض حضارة للظلم بسبب الجهل مثل الحضارة المصرية القديمة، قالوا عنهم: لا يؤمنون بالله! بينما إدريس عليه السلام كان مصرياً، وكان أول الرسل، كما كان لقمان والخضر مصريين، بل إن كلمات: دين، آخرة، صوم، حساب، إمام، حج، ماعون ... إلخ، من آلاف الكلمات، كلها كلمات مصرية قديمة، كذلك ادعى البعض أن الحضارة العظيمة قامت بها مخلوقات من كوكب آخر quot;إريك فون دانكشتين ndash; عجلات الآلهة ndash; كاتب ألمانيquot;؛ ذلك لأنها حضارة تصيب الناس بالذهول، ولذا نسمع عن الـ: Egypto ndash; Mania أو الولع بالمصريات، وقد أصبحت واحداً ممن وقعوا فى هواها.
وفى الفصل الثالث المعنون بـ quot;أول حكومة في التاريخquot; يرصد د.وسيم في حوار متخيّل بينه وبين quot;حور محبquot; كيف كانت هذه الحكومة:
قال د. وسيم: حدثني عن أول حكومة فى تاريخ البشرية.. كيف نشأت؟
قال حور محب: أول حكومة فى تاريخ العالم كله كانت لدينا سنة 4241 ق.م ndash; أى منذ 6253 سنة مضت، وكان ذلك فى عصر ما قبل الأسرات.. تجمعنا حول النيل حتى لا نهلك فى الصحراء، كان ذلك منذ عشرات الآلاف من السنين وتعلمنا روح الفريق عند خطر الفيضان ووضعنا التقويم الذي تزرعون علي نظامه حتى الآن؛ لأنه أكثر التقاويم دقة وتعلمنا الزراعة حين فاض علينا النيل بالغرين، الذى حُرمتم منه الآن ومن الزراعة وعرفنا الصناعة من الزراعة، وصنعنا الحبال، المكيال، النول، المكوك، الفأس، المنجل، الشادوف، البكرة، المغزل، والكتان الموشى بأسلاك الذهب وصنعنا أوراق البردي فسجلنا تاريخنا وحضارتنا، وظل استخدام البردي حتى القرن الحادى عشر الميلادى وصنعنا الدواء من النباتات الطبية كالزيوت والدهون.
ثم استطرد حور محب قائلاً: كنت تسألني.. كيف تكونت أول حكومة فى التاريخ؟.
فكما قلت لك، حين وحدنا النيل وعلمنا الزراعة، كان لابد من: إنشاء جهاز فني هندسي للمياه لخدمة آلاف الزراع وهذا الجهاز أستدعى جهازاً أمنياً quot;شرطةquot;، ثم جهازاً مالياً، ثم جهازا عسكرياً لحمايتنا من أعداء الخارج.. وهكذا تكونت أول حكومة فى التاريخ.. لم ينفرد عقد وحدتها طوال سبعة آلاف سنة.
الأمر المدهش الذي يؤكده د.وسيم فى كتابه أن كارتون quot;توم وجيريquot; الذي يتربى عليه معظم أطفال العالم، هو اختراع مصري صميم، حيث يقول: إن quot;توم وجيريquot; اختراع مصري قديم.. ففي أوراق البردي تجد مدام قطة وقد أصبحت عبدة عند مدام فأرة، وفى بردية أخرى تجد جيشاً من الفئران محاصراً قلعة محبوساً فيها مجموعة من القطط!. وهناك أسطورة مصرية تقول إن القطة الجميلة دائمة الابتسام quot;باستت Bastet quot; كانت أصلاً اللبؤة الغاضبة من أعمال البشر.. وقد كانت لها تماثيل كثيرة في مدينة quot;بوباسطة quot;، ولكنها نُهبت الآن، إن مصر القديمة تعيش فينا لم تغيرها 2500 سنة احتلال؛ لأن الحضارة أقوى من السيف والرمح على مر الزمان.
ويواصل د.وسيم رصده لمظاهر الحضارة المصرية التي أخذت عنها كل الحضارات وذلك حينما يصّور فى الفصل العاشر، عملية الحساب الأخروي ومحاكمة الروح والجنة والنار، وقلب المتوفى، وريشة العدالة على الميزان، والقدر وهو يشفع لصاحبه وهو ما أخذته عَنّا الحضارات المختلفة، وكيف بدأت أسئلة القضاة المكونة من 42 سؤالاً:
- هل حافظت على جسدك طاهراً؟
- هل امتدت يدك إلى ما ليس لك؟
- هل قتلت؟
- هل كذبت؟
- هل كنت أسيراً لغضبك يوماً؟
- هل سكرت حتى فقدت عقلك؟
- هل عذبت حيواناً
- هل نسيت أن تسقى نباتاً؟
- هل كنت سبباً في دموع إنسان؟
- هل نظرت إلى امرأة غير زوجتك؟
- هل تحدثت بسوء عن غيرك؟
- هل مزقت الغيرة قلبك؟
- هل تملكك الغرور؟
- هل تعلقت في الدنيا بسلاسل من ذهب؟
- هل شهدت بالزور؟
- هل أخذك الغرور بذكائك فعميت عليك حكمتك؟
- هل تذكرت الإله وسألته الهداية في رحلة حياتك؟
- هل تنكرت لجارك؟
- هل سلبت حرية أحد؟
- هل عاملت من هو أقل منك بالطريقة التي تكره أن يُعاملك بها من هو أكبر منك؟
كان الحكيم quot; آنى quot; يجيب عن أسئلة القضاة، وهو يتصبب عرقاً.. وحين سألوه عن الغضب تلعثم.. وعندما انتهت الأسئلة.. تقدم quot; آنى quot; قائلاً : أيها الإله الأعظم ..
- كنت عيناً للأعمى .
- يداً للمشلول.
- رجلاً للكسيح.
- أباً لليتيم.
- لم ألوث الماء.
- لم أحلف كذباً.
- لم أغش فى الميزان.
- لم أتلف أرضاً مزروعة.
- إن قلبى نقى.
- يداى طاهرتان.
أعلن quot; تحوت quot; أن قلبه صافٍ وأن أعماله أرضت الإله.
وقال الإله الأعظم : إن روح quot; آنى quot; قد سجلت ولادتها فى عالم الخلود وسفر الحياة ..
ويجمل د.وسيم غرامه للحضارة المصرية في الخاتمة قائلاً: هذه هي مصر التي علمت العالم.. علمته الإيمان بالإله الواحد.. هو ذا إخناتون يشدو فى بردية بالمتحف البريطاني: أيها الواحد الأحد الذي يطوى الأبد، يا مخترق الأبدية، ونورك يحيط بجميع مخلوقاتك، يا منقطع النظير في صفاته، ويملأ البلاد بجماله، يا موجد نفسك بنفسك.. أنت حي وأزلي، يا مرشد الملايين إلى السبل، يا خالق الجنين فى بطن أمه، أنت جميل وعظيم ومتلألئ.
إن الغزوات التي مرت على مصر، كانت تغييراً فى الحكام، ولم تكن تغييراً فى شخصية quot;هويةquot; مصر quot;فلاندر بتريquot;.. طردت الهكسوس، جعلت الإسكندر يعتنق الآمونية، وجعلت روما تعتنق المسيحية، ووضعت أسس الرهبنة فى المسيحية quot;أفلوطين المصريquot;، والتصوف في الإسلام، دافعت عن الإسلام فى ذات الصوارى، وحطين، وعين جالوت .. كما بنت القلاع والمساجد، والحصون، وعمرت خزائن بغداد بنفائس الإسكندرية، وكان منها كتاب العالم المصري ديسكوريدس: خواص العقاقير.
ويؤكد د. وسيم على أن مصر علمت العالم في كل نواحي الحياة، جمعت الحديث النبوي الشريف، وسجلته على ورق البردي فأصبح أقدم المخطوطات العربية،وجاء بن منظور القبطي quot; المصري quot; ووضع لنا كتاب : لسـان العرب، وجاء ورش القبطي quot;المصريquot; يرتل لنا القرآن الكريم الذي أنتشر فى العالم كله: بقراءة ورش الباقية حتى الآن.
مصر علمت العالم الوسطية فى كل شيء، فالكرم وسط ما بين الإسراف والبخل، والشجاعة وسط بين الجبن والتهور، لذا كان إسلام مصر مختلفاً عن إسلام الدول الأخرى، كذلك مسيحية مصر أيضاً.
الجدير بالذكر أن د. وسيم السيسى أحد كبار المهتمين بعلم المصرولوجيا، وهو أستاذ جراحات المسالك البولية، وزميل كلية الجراحين الملكية في انجلترا وكلية الجراحين الأمريكية، وعضو فى الجمعية الأمريكية لدراسات الظواهر الجوية، وحاصل على براءة اختراع لجهاز فحوص بالمسالك، وهناك عملية جراحية مسجلة باسمه فى جراحة البروستاتا المتضخمة.
كما أن له العديد من المؤلفات والمقالات فى الصحف والمجلات منها : الطب فى مصر القديمة، وquot;نظرة طبية فاحصة فى الحب والجنسquot; وquot;مصر التي لا تعرفونهاquot; وهو صاحب quot;صالون المعادى الثقافيquot;، يكتب مقالاً أسبوعياً فى جريدة المصري اليوم وغيرها من الصحف المصرية والعربية.
ويحتوى ndash; غير المقدمة والخاتمة ndash; على اثنين وثلاثين فصلاً، تتراوح الفصول بين الطول والقصر، حسب طبيعة الموضوع الذي يتناوله المؤلف، وجاء ترتيب الفصول ليعطى صورة شاملة عن طبيعة الحضارة المصرية التى علمت العالم بالفعل الفنون والصناعات، حتى quot;الوحي الآلهيquot; والحكومة الأولى في التاريخ، وأرقى ما وصلت إليه الكتب، وquot;توم وجيرىquot; اختراع مصري، والحضارة المصرية والجزيرة العربية، والقضاء الفرعوني، والرقص في مصر القديمة، ودراما الخير والشر، وبناة الأهرام، وتفسير الزار بالفرعوني، وعمرو بن العاص ومكتبة الإسكندرية، quot;ونفرتيتى ليست ليلى، وحتشبسوت ليست حلاوتهمquot;، وإذا لم نكن الفراعنة فمن هم الفراعنة إذن؟