من المثير بل ومن المهم احيانا ان تكون لدينا معرفة حميمة بحياة المؤلف الموسيقي ولكن مثل هذه المعرفة ليست ضرورية لفهم اعماله. وفي حالة بيتهوفن من المعروف انه في 1802، العام الذي راودته فكرة الانتحار، كتب ايضا سيمفونيته الثانية التي تعتبر من أكثر اعماله تفاؤلا بروحها الايجابية. ويبين هذا ان من المهم فصل موسيقاه عن سيرته الذاتية وعدم الخلط بين هذه وتلك.ويقول الموسيقار الارجنتيني ذو الأصل الاسرائيلي دانيل بارنبويم ان أهمية بيتهوفن في الموسيقى تحددت اساسا بالطبيعة الثورية لمؤلفاته. فهو حرر الموسيقى من تقاليد الهارموني والبناء التي كانت سائدة وقتذاك. وان في اعماله الأخيرة ارادة لمحو كل أثر للاستمرارية. فان بيتهوفن حين يتعلق الأمر بالتعبير الموسيقي لم يشعر مقيدا بثقل التقاليد بل كان صاحب فكر حر بكل المعايير ورجلا شجاعا كذلك. ويضيف بارنبويم ان الشجاعة صفة جوهرية لفهم اعمال بيتهوفن ناهيكم عن عزفها.وكان بيتهوفن رجلا سياسيا بأوسع معاني الكلمة. لكنه لم يكن مهتما بالسياسة اليومية بل بقضايا السلوك الأخلاقي والمعضلات الكبرى التي تؤثر في المجتمع مثل المسائل المتعلقة بما هو حق وما هو باطل. وتتسم بأهمية خاصة نظرة بيتهوفن الى الحرية التي ارتبطت عنده بحقوق الفرد ومسؤولياته داعيا الى حرية الفكر وحرية التعبير الفردي.وبيتهوفن يعبد الحرية ولكن ليس بالطريقة التي فهمها جورج بوش بوصفها من حيث الأساس حرية اقتصادية تطلق العنان لعمل قوى السوق، كما يرى بارنبويم. ويتابع بارنبويم قائلا ان موسيقى بيتهوفن كثيرا ما تعتبر موسيقى دراماتيكية حصرا تعبر عن صراع جبار. ومن هذه الناحية فان ايرويكا، سيمفونية بيتهوفن الثالثة، والسيمفونية الخامسة لا تمثلان إلا جانبا واحدا من عمله ولابد من التنويه بسيمفونيته الرعوية ايضا. فان موسيقاه جوانية وبرانية على السواء وتضع هاتين الصفتين بجوار احداهما الأخرى المرة تلو الأخرى. والصفة الانسانية التي لا وجود لها في موسيقى بيتهوفن هي السطحية. كما لا يمكن وصف موسيقاه بالخجل أو الحدة بل فيها على العكس عنصر العظمة حتى عندما تكون حميمية كما في كونشرتو البيانو الرابعة والسيمفونية الرعوية. وحين تكون موسيقاه عظيمة تبقى شخصية بحرارة ايضا، والمثال البديهي على ذلك السيمفونية التاسعة.
ويكتب بارنبويم في صحيفة الديلي تلغراف ان بيتهوفن استطاع ان يحقق التوازن الأمثل في موسيقاه بين الضغط العمودي، من اتقان المؤلف للشكل الموسيقي، والتدفق الأفقي.
وتميل موسيقى بيتهوفن نحو الانتقال من الفوضى الى النظام، كما في مقدمة السيمفونية الرابعة، وكأن النظام لازم للوجود البشري. ولا يتحقق النظام عند بيتهوفن من نسيان الفوضى التي تعم وجودنا أو تجاهلها بل النظام تطور ضروري وتحسين يمكن ان يؤدي الى المثل الأغريقي الأعلى في تطهير الذات من ادرانها. وليس مصادفة ان المارش الجنائزي ليس الحركة الأخيرة من السيمفونية الثالثة بل الحركة الثانية كي لا تكون الكلمة الأخيرة للمعاناة والحزن. ويمكن تفسير الكثير من اعمال بيتهوفن بالقول ان المعاناة حتمية ولكن الشجاعة لمحاربتها تجعل الحياة تستحق العيش، كما يكتب الموسيقار دانيل بارنبويم.