كالمسرّة كان المرأى، تأخذنا السيّارة ُ الى دارته فوق الهضبة العُلوية، السيّدُ فيها الريحُ والمطرُ والضوء والآمان.والطريقُ بين مثوانا ومثواه حكاية ُ اسطورة لا يُصدّقها عقلٌ. كيف يتغيّر المشهدُ المُنتمي الى عصور خلت مع ايقاع العصر الحاثّ خطاه تُجاه المستقبل. تخيلتُني نجري على طريق يربطُ بين ملقا وغرناطة الإسبانيتين. ذات الضفاف المحفوفة بالشجر، والبيوت البيض تتسلّقُ التلّ والجبل وتتناثر في الفضاء الذهبي. جيء بها من هناك الى هنا، حملها طوفانُ العمران والزمنُ الكردي الجديد. اربيل هي العاصمة والعاصفة والصاعقة قصمت كيان التخلف. وتوغلت في طيلسان غدٍ لا مرئي لآخرين ينطوي على مشاريع تنموية وعمرانية وحضارية لا قبل لنا بمثلها قبل عقد. والأدهشُ هذه الأفعى الملتوية التي تحتضن سيارتنا وتأخذنا اليه : اسم ٍ إبداعي تبوأ علياء ابداعية تثوي في علياء مصيف صلاح الدين. مَنْ لا يعرفه / فلك الدين كاكايي / المثقفُ الموسوعي والسياسي الكردي المناضل.والوزير الثقافي الذي اناخ بكلكل رحلته الطويلة ليرتاح. وفوق الفوق دلنا المسارُ على الدرب يضيقُ كثيراً ولا يتّسع ُ، محاط بالورد جالساً ومتسلقاً الجدرانَ الوطيئة. والأبوابُ ذاتُ طرز مشرقية وغربية. كان موعدُنا معه، شخصية متفردة في الخلق والفكر والثقافة اطلّ علينا امام باب بيته ينتظرنا. هو في مبتدأ سبعينياته لكنّ سني العمل الحزبي النضالي الطويلة اتعبته. فيما ظلّ ذهنُه وقاداً وقدرتُه الحوارية لا مثيلَ لها. استقبلنا وعائلته كما لو كنا اصدقاء من ازل بعيد. قادنا الى صالة الجلوس. جلس وجلسنا. قال : اقتربْ، اجلس الى جواري. صرنا قريبين منه أنا وزوجتي.ليس في بيته ما يشي بالفخفخة، بسيطٌ وامين هاديء. ثُمّ اطلت وجوهُ العيال. اذن الجلسة ستكون عائلية. وظللنا مستمعين ننصتُ الى حديثه المُتمحّور بين السياسة والثقافة بكلّ الوانها. وجلبتْ أحدى الأختين مجموعة ًمن مؤلفاته باللغتين العربية والكردية. تحدّث عن كلّ كتاب وظروف تأليفه. ويأخذنا الحديثُ الى ممرّات ومقاصد اخرى. الوزير كاكايي يتقنُ عدداً من اللغات الشرقية ويكتب بها، وكذا الإنجليزية. له مؤلفاتٌ بالعربية والكردية والفارسية. تحدّث عن بداياته الأولى. وعن اولى قصصه القصيرة، وروايته الاولى / ورقة الياصيب / ولقائه بالقصّاص الكردي الراحل عبد المجيد لطفي. واشادته بروايته.وعرج الحديث على الدكتور عمر الطالب الذي كتب / بايقاع اكاديمي / دراسة عن تلك الرواية. كنتُ افكّر مع نفسي كيف تسنّى للوزير أن يكتب هذا الكم الإبداعي خلل سني النضال، مُطادراً وجائعاً ومتنقلاً بين الجبال والوهاد، وخللَ قسوة الظروف والمناخ والعمل النضالي الدؤوب الذي لا ينقطع. والمشكلةُ التي عاشها ال/ كاكايي / إنّه كان يتبوأ مركزاً قياديّا في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ومسؤولاً ثقافيّاً يُديرُ أكثر من واجهة. وكاتباً لم يتوقف قلمه عن الكتابة. قال : بدأتُ بالمقالة القصيرة / السياسية والأجتماعية والصوفية والإذاعية / حيثُ كنتُ اتحدّثُ في الإذاعة الكردية السرّية المُتنقلة دوماً من مكان الى سواه خشية قصفها، المُتوارية بين صخور الجبل ووهاده، لكنّها كانت تُلبّي هدفنا وتُعبّرُعن مسيرة المقاومة الكردية ضدّ بطش السلطة القمعية. ولهذه الإذاعة قصصٌ وطرائف منها أنّ هوائية البثّ كانت في اعلى عمود خشبي مثبتٍ بالحبال المشدودة على اوتاد مغروسة في الأرض. وصادف انْ مرّ حصانٌ هائج فتخبط بحبل وسحبه معه وسقط العمود وانقطع البثّ في ذروته. وسنون النضال والمقاومة تكتنفها صعوباتٌ ومفاجآتٌ مُعقدة، لكنّ القيادة الكردية استطاعت أنْ تُنجزَما يرقى الى مراتب المعجزات. ولا سيّما بعد الإنسحاب الموقّت من ساحة المقاومةعام 1975 إثر المعاهدة المشؤومة بين الشاه وصدام.
وذي كردستان تتمتّعُ وتحظى بثمرة سني نضال ابنائها ليأتلق الأقليمُ والزمن الكردي الجديد الذي تجاوزَالسياسة الى التعليم والثقافة والعمران والمستوى المعيشي للمواطن. وذي مدائنها تُضاهي مدائن العالم أو في الطريق الى اللحاق بها.وأربيل العاصمة واسعة نظيفة مُشجرّة محفوفة الشوارع بالبناء الحديث. مكتظة بالناس الأ ُلى ضاقت بهم مدائنُ العراق. والأهم من كلّ ذلك هذا الأمان الذي يحظى به أبناءُ كردستان. فالليلُ وروّاده في سهر دائم حتى مطلع الصبح.
................................
حتماً سيُذكرُ اسمُ ال / كاكايي / كأحد المساهمين مع القيادة الكردية وجميع المناضلين في بناء هذا المجد الكردي وفق منظور حضاري وتخطيط مستقبلي سديد. لا شيءَ بعد الآن مزاجي وعشوائي.
وحين اعود اليه يُخبرني عن سنوات عمله في / التآخي / التي اغلقها صدام. وفي 2003 تمّت اعادة ُ الجريدة بمجهوده، وترأس هيئة تحريرها واستقدم لها بداية ً كادراً متواضعاً ذا خبرة / نساءً ورجالاً / وحتى من البعثيين السابقين الذين ما اساءوا الى احد. كون فكرالحزب الديمقراطي الكردستاني انسانياً متفتّحاً، لذلك ضمّ كاكايي هؤلاء الى العاملين فيها واستقرّتْ وعلا شأوها.
امتدّت جلستُنا معه زهاء اربع ساعات تخللتها حواراتٌ واستكانات الشاي وفناجين القهوة والعشاء السخي والفاكهة وكتب اهدانا اياها. جلستنا معهم حميمية آسرة كما لو كنا فردين من العائلة. فالوزير كاكايي من ابناء مدينتي كركوك لذلك تكلّم على ايام تلمذته فيها وعن زملائه ومعلميه والوضع الثقافي فيها أيامئذ.. لكنّه كسياسي لم يزل له ألقُ حضورٍ حزبي وثقافي برغم تقاعده الوظيفي. هو ثروة ٌ من ثروات الكرد. جوّابُ آفاق ومدائن وحواضر اخذ من كلّ مكان ما رأى، وقرأ عشرات المئات من المتون الإبداعية والسياسية، وتقلد مناصب وظيفية وحزبية مرموقة. وعلى الرغم من كرّ السنين فلمّا يزلْ في عنفوان تألقه الفكري. علاقته انسانية حميمة مع العائلة والناس. فليس بمُكنة أحد ان يكون مثله سياسيّاً ناجحاً ومثقفاً موسوعيّاً وصديقاً للأخيار والطيّبين. وإنْ أنسَ لا انسى هذا اللقاء به وبالعائلة. عدنا الى مثوانا وفي روعي خزينٌ ممّا سمعت منه. لكن ذاكرتي لم تحفظ سوى ما دبجتُه خللَ هذه السطور...
...................................
........................
خاطرة ٌ سريعة عن مثوانا الأول حيثُ استقام على تربه خطونا.
همسة ٌ واطئة
لكركوك
تستبسلُ المُهجُ
تغذّ خُطىً
في ساح محبتها
..............
هي
الجمرةُ تلتهبُ
مثلَ خدّ العاشق
لا تُحرِقُ
ولا تحترقُ
هي
في الدّم
والرُوع
والذاكرة
.......................
هي
المحبّة ُ
تجرحُ البلادة َ
والجمودَ الجسدي
جسرُ
التلاقي
بين الضدّ والضدّ
بين
نبضٍ وسواه
بين
الصدّ والجذب
واللهاث
والهرولة
.......................
الآنَ
استعيدُ خيطاً
من طفولتها
هو
صوتُها
يجيءُ
زمجرة ً
وزغردة ً
وموسيقى
ناحلة
....................
يا
رفيفَ بُعدك
يتشبثُ
بدفء دمي
يتوارى
خلفَ قشرة
الخجل
..................
تعالَ
نرتوِ
من زلال
هذا الغناء
الطائش
خللَ دمعتنا
الواجفة
تعالَ
نهرمْ
معا ً
نُمسكْ
بعنان اللحظة
وطلِّ جريانها
.................
أنا
مذ ْ وطئتْ
نفسي
بلاط َ محبتك ِ
عراني
هوسٌ خلّابٌ
...............
رأيتُكِ
تأتيك باصرتي
وتأتيني
فيغشاك
وهلُ التعب
..............
ما ابهجَ
قامتَك
المنحنية
امام الريح
لكنّ افقَك
ما زال فيّ
دمدمة ً وزمزمة ً
ولقاء ً أبديّاً
...............
تُرى
كيف اُطفيءُ
ذا الطوفانَ
لديّ
وكلّ ما فيّ
لقاءٌ غابرٌ
عبرَ هُدبي وهُدبِكِ
يلتقيان
.......................
لعينيك ِ
يا قلعتها
القدسية
وظمأ خاصتها
تستبسلُ المُهجُ
................
والحنينُ
عند بوابتها
يقفُ