تقرأ "إيلاف" كتاب تركي الدخيل "هشام ناظر... سيرة لم تروَ"، قراءة متأنية لما فيه من تفاصيل ممتعة ومفيدة. وفي هذه الحلقة قراءة للفصول الثالث والرابع والخامس من الكتاب، على أن تتابع القراءة في حلقة قادمة.

&
نهاد إسماعيل: لا أقدم هنا تكثيفًا لسيرة هشام ناظر كما كتبها تركي الدخيل في كتابه "سيرة لم ترو"، بل أستمر في هذه الحلقة الرابعة في عرض انطباعات شعرت بها في أثناء قراءتي الكتاب. فلا بديل من تصفحه بهدوء، وقراءته بتمعن، لجني فائدة كاملة من كنز معلومات وتفصيلات لم تنشر سابقًا بهذا الأسلوب الشيق والصريح والممتع.
&

هشام ناظر… سيرة لم تروَ

&
&
إلى وزارة البترول
في الفصل السادس من كتابه، يطلعنا الدخيل على انتقال هشام ناظر إلى وزارة البترول في عام 1986. يقول الدخيل: "لم يكن انتقال هشام ناظر إلى وزارة البترول هذه المرة حدثًا عاديًا، بل حدث استثنائي لا يشبه ما سبقه". يضيف: "المنصب لم يكن عنقودًا معرشًا على دالية مكافآت، بل يقع على جبل عالٍ، بلوغه لا يحسب بالوقت، إنما بالأثر وتبوؤ ما عليه مسافة تقاس بالإنجاز". هذه الفقرة القصيرة شهادة من تركي الدّخيل لمقدرات وكفاءة هشام ناظر واستحقاقه لهذا المنصب الحساس المهم والرفيع.
&
تم تعيين هشام ناظر وزيرًا للبترول في أسوأ أيام البترول في العالم، حين كان الوضع في منظمة أوبك صعبًا. في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1986، صدر أمر ملكي بتعيين هشام ناظر وزيرًا للبترول. وهنا أمسك هشام بيد تركي الدخيل، وروى القصة: "ذات أربعاء، وعند الساعة الحادية عشرة مساء، اتصل بي الملك فهد رحمه الله، تحدث معي عن أمور كثيرة، حتى وصل الحديث عن كرة القدم، وعند الواحدة صباحًا وأثناء نشرة الأخبار قرأ المذيع أمرًا ملكيًا يأمر بتكليفي وزيرًا للبترول بالنيابة، إضافة إلى موقعي وزيرًا للتخطيط".
&

من ذكريات هشام ناظر: هكذا ولدت أوبك

&

&
&
انتقال هشام ناظر إلى وزارة البترول في 1986 كان حدثًا استثنائيًا لا مكافأة. جاء التعيين في وقت صعب جدًا مع تحديثات تواجه الاستثمار في مرافق التكرير والتوزيع في الولايات المتحدة وكوريا واليابان، ومع تحويل صناعة البترول إلى كفاءة. وكرئيس لمجلس إدارة آرامكو، كان ناظر مهتمًا بخفض مصاريفها ورفع ربحيتها.
&
تعيين ناظر وزيرًا للبترول جلب اهتمام الصحافة العالمية، فيشير تركي الدخيل إلى مقال في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية بتاريخ 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1986 أي بعد أقل من 24 ساعة من التعيين للكاتب بارنبي فيدير، يقول فيه: "هشام ناظر ربما كان يفتقر لشهرة وانتشار اسم سلفه على المستوى الدولي، إلا أن المستشارين الاقتصاديين الذين يعرفونه يقولون إن هذا قد يتغيّر بسرعة". وتابع الكاتب نقلًا عن البروفسور في جامعة هارفرد ذائعة الصيت جون دنلوب الذي عمل مع فريق التخطيط الذي عينته، قوله: "إنه شخص بمزيج غير عادي، فهو يتمتع بالخبرة في التعامل مع الأسرة الحاكمة، وبأسس تقنية صلبة، وهو ممثل محنك لبلاده. وقال إنه رجل مهذب، طويل القامة ومحب لكرة القدم".
&
المشاكسون
في أوبك، كانت إيران مشاكسة، وليبيا مشاغبة حتى في أواسط الثمانينات، ولا استغرب إذا تساءل القارئ "هل تغيّر شيئًا؟"، ألم تواصل ليبيا المشاغبة والعبث حتى سقوط القذافي عام 2011؟، ألا تزال إيران تلعب دور المشاكس والمخرب في المنطقة حتى هذه اللحظة؟.
&
مارس وزير النفط الإيراني الضغوط مطالبًا بالعدالة في توزيع الحصص، ثم انتقل ليتحدث عن العراق، ويتهمه بعدم التزام الحصص. يتحدث هشام الناظر عن لقائه بصدام حسين. ولصدام حسين مطالب كثيرة. ثم يلفت الدخيل انتباهنا إلى أهم المحطات في حياة الشيخ هشام ناظر، ومنها احتلال العراق للكويت بتاريخ 2 آب (أغسطس) 1990.
&
كان هناك توتر في العلاقة بين وزراء أوبك الخليجيين والتكتل المشاكس، الذي يضم الجزائر وإيران وليبيا. كانت المملكة العربية السعودية تتجه إلى تحقيق سعر 18 دولارًا للبرميل. كتب هشام ناظر إلى الملك فهد ملخصًا عما دار في الاجتماع مع وزير النفط الكويتي علي الخليفة الصباح. أمر الملك أن يصدر الوزير بيانًا يدعو فيه لجنة الأسعار إلى الانعقاد فورًا، وذلك لتحديد سعر البرميل بـ 18 دولاراً. قال الملك إنه يجب عدم إعطاء الفرصة للدول التي تريد انهيار أوبك. كان هذا أول احتكاك لهشام ناظر مع أوبك، وهو شرح ذلك قائلًا: "إنهم مجموعة من الناس، مختلفون، لكل واحد منهم هدف مختلف، لا بل أهداف تختلف". يحق لنا أن نتساءل ألا يعيد التاريخ نفسه في يومنا هذا؟.
&
حصل اجتماع الإكوادور في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) 1986، واجتمعت لجنة الأسعار برئاسة الشيخ على الخليفة الصباح، وزير النفط الكويتي. رأي الملك فهد رحمه الله كان واضحًا في اتجاه ضرورة رفع السعر إلى 18 دولارًا من دون خفض الإنتاج. وتمهيدًا لاجتماع 11 كانون الأول (ديسمبر) 1986، عقد مجلس الوزراء جلسة خاصة في الظهران لتحديد الموقف السعودي.
&
&هشام ناظر مؤلف الخطط الخمسية السعودية
&
&
&
انتصار للسعودية
وصل ناظر إلى جنيف برفقة زوجته السيدة أميرة، فوجد رسالة من وزير النفط الإيراني يطلب الاجتماع به فورًا. اتصل به وزير البترول الإماراتي مانع العتيبة فالتقاه ناظر. قال العتيبة حينها إن دول الخليج تتطلع إلى وجود قيادة لها، وإن ناظر مناسب لأداء هذا الدور. مارس وزير النفط الإيراني الضغوط مطالبًا بالعدالة في توزيع الحصص، ثم انتقل الوزير الإيراني ليتحدث عن العراق، ويتهمه بعدم التزام الحصص.
&
خلال مؤتمر أوبك في 9 كانون الأول (ديسمبر) 1986، وافق المؤتمرون على بعض نقاط كان قد طرحها ناظر، وتتعلق بمدة الاجتماعات والتصريح للصحافيين. كانت هناك مشادات كلامية بين الوزيرين الكويتي والإيراني، الذي يصرّ على أن سعر 18 دولاراً مستحيل تحقيقه من دون تخفيض سقف الإنتاج. كانت هناك خلافات تتعلق بالحصص والتزام تخفيض الإنتاج وعدم التزام العراق الاتفاق، ناهيك عن المناورات الليبية والإيرانية.
&
بالنسبة إلى هشام ناظر، بلغ السيل الزبى مع غلام رضا آغازاده، وزير النفط الإيراني، وصمم ناظر على التوصل إلى اتفاق، ربما يكون العراق شريكًا فيه، بموافقة إيران أو عدمها. بعد اجتماع عاصف، اتفق هشام ناظر وزميلاه النيجيري والأندونيسي على المضي قدمًا بما خططوا له وإقناع الآخرين بالتوقيع.
&
ظهرت مخاوف من أن إيران تسعى إلى إحداث خلل في الاتفاق، لكن في النهاية تم توقيع الاتفاق بحضور إيران في السادسة من صباح 20 كانون الأول (ديسمبر)، ويومها صوّت العراق معترضًا. وبهذا، حقق هشام ناظر انتصارًا للسعودية. وتناولت الخبر صحيفة أوبزورفر البريطانية العريقة، حيث كتب جيم كراوفورد ووليام كيغان أن هشام ناظر يحقق انتصارًا سياسيًا فيه، وأن المقاومة السعودية لخفض الإنتاج كانت تكتيكًا ذكيًا أثناء المفاوضات. كما تناولت صحيفة فايننشال تايمز اللندنية في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1986 في تقرير تحليلي شخصية هشام ناظر، وقالت إنه خلط الصلابة والسحر، وهو مفاوض داهية وبارع.
&
رواية فابتسامة
خلال مؤتمرات كهذه، يعمد الصحافيون على ركوب المصاعد صعودًا وهبوطًا لعل وعسى أن يأخذوا تعليقًا أو تصريحًا من وزير نفط. وبعد ملاحظة هشام ناظر أحد الصحافيين يفعل هذا سأله: أتعيش في المصعد؟.
&
بعد هذا الانتصار، عاد إلى المملكة حاملًا الاتفاق وإنجازًا كانت المملكة بحاجة إليه. وإلى الجبيل ذهب الملك وأعضاء الحكومة لافتتاح مصنع تكرير جديد وهمس الملك سلمان (كان أميرًا حينها) في أذن هشام: "أنت تعرف بأنك ستصير وزيرًا أصيلًا للبترول". يومها، ألقى هشام قصيدته الشهيرة في الاحتفال وأولها:
&
علامات الهوى لهب ونار
&
وأوهام وأحلام كثار
&
هنا بلدي هنا ربعي
&
هنا حسن الجوار
&
وتذكر إذا أتيت هنا
&
وكانت أراضيها قفارًا لا تزار
&
صدام حسين يهدد ويبتز
بعد لقاء سعدون حمادي، المبعوث الخاص لصدام حسين، أمر الملك وزير البترول هشام بزيارة الدول المعنية بشكوى العراق، وهي الكويت والإمارات وقطر وبعدها إلى بغداد. يقول هشام: "يومها كان موعدي مع صدام حسين، وشرحت له أهمية حل المشكلة عن طريق الوزراء، وأشرت إليه إلى أن الملك فهد يرجو أن يجتمع الوزراء أولًا لمحاولة حلها.
&
أجاب الرئيس العراقي أنه سوف يخاطب الشعب العراقي في 17 تموز (يوليو) 1990 بمناسبة الثورة، فالحل مرحّب به قبل ذلك التاريخ، وإذا انقضت المدة بغير حل فسوف يقول للشعب العراقي إن الكويت والإمارات كانتا تسرقان حليب أولادهم.
&
استنتج هشام ناظر أن هذا الرجل سيقوم بغزو الكويت، وقال ذلك للملك فهد. هنا يكتب الدخيل في الصفحة 229 عن تقدير هشام ناظر الشخصي وانطباعه "بأن حدسه يقول له إن هذا الرجل سيقوم بغزو الكويت". نوقشت طلبات العراق في اجتماع وزراء البترول في جدة، لكن العراق احتل الكويت.
&
بعدما تولى هشام ناظر وزارة البترول، ركز على إعادة تنظيم الصناعة البترولية السعودية، ومن هنا أصبحت آرامكو شركة سعودية قانونيًا وإداريًا، وباشر ناظر بإعادة تنظيم المؤسسة العامة للبترول والتركيز على العنصر البشري من حيث الكفاءة والتأهيل واستقطاب ذوي الكفاءات والخبرات للانضمام إلى وزارة البترول.
&
على مستوى دولي، كان التركيز على بناء علاقات متميزة مع الدول المنتجة والمستهلكة للبترول وتشجيع الدول على شراء البترول السعودي، وهذا ساعد على زيادة إنتاج المملكة من 3 ملايين برميل يوميًا في عام 1986 إلى 5.4 ملايين برميل في عام 1990.
&
تحرير الكويت
ساهمت السعودية في نجاح التحالف الدولي في تحرير الكويت بتوفير الدعم اللوجستي وتوفير مختلف أنواع الوقود للطائرات والدبابات في المواقع المطلوبة، ما ساهم في نجاح العمليات العسكرية بسهولة وسلاسة.
&
من أهم التطورات التي حدثت خلال غزو الكويت هو تطور العلاقات بين أوبك والدول المنتجة من ناحية، ووكالة الطاقة الدولية والدول المستهلكة من ناحية أخرى.
&
في عام 1992، عقدت أول قمة دولية للبيئة والتغيّر المناخي في مدينة ريو دي جانيرو في البرازيل، وترأس الوفد السعودي هشام ناظر كنائب عن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله.
&
وبعدما أصبح هشام ناظر وزيرًا للبترول والثروة المعدنية في عام 1986، كان من أهم أهدافه إعادة تنظيم الصناعة البترولية السعودية لزيادة إنتاجها ولتستطيع منافسة الشركات الأجنبية. ونظرًا إلى العقبات والمصاعب التي واجهت تنفيذ الفكرة، كان رأي ناظر، وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد، دمج المصافي المحلية وعمليات توزيع وتسويق المنتجات مع شركة آرامكو السعودية، وهذا ما حصل في عام 1994 في عملية سلسة من دون مشاكل تذكر.
&
&
&
&