لا تزال لعنة مناصرة النازية، تلاحق الكاتب الفرنسي الشهير لوي فارديناند سيلسن(1894-1961) . فقد كانت فرنسا ترغب في الاحتفال بمرور 50 سنة على وفاته في عام 2011، غير ان ضغوطات ثقيلة وكثيرة عطلت تلك الاحتفاليات. وفي مطلع العام الحالي، انهى المخرج ايمانويل بورديو فيلما عن صاحب رائعة"سفرة في اخر الليل" ، مركزا على تلك الفترة التي كان فيها يقيم في الدانمارك التي فر اليها بعد نهاية الحرب الكونية الثانية، وفيها حكم عليه بالسجن لمدة عامين. وفي عزلته تلك، زاره ميلتون هيندوس، وهو امريكي من اصول يهودية كان معجبا باعماله . وكانت زوجته لوسيت التي كانت راقصة هي التي اقنعته بلقائه اذ انه كان كان ينفر من اليهود، ويعتبرهم مسؤولين عن كل الكوارث التي اصابت الانسانية. وقد قبل الممثل الكبير دنيس لافان ان يلعب دور سيلين . ومتحدثا عن هذا الاخير هو يقول: ”كان سيلين يكثر من المبالغات. وكانت سمعته سيئة لدى الجميع. وكان هو يهاجم الجميع بدون هوادة. وكان عنصريا، وكارها للنساء، ومستبدا. وهو شبيه بوعاء للانفعالات البشرية الاشد تطرفا ونذالة وبذاءة".&

&
ولا يتعرض الفيلم الجديد الى المعركة الحامية التي اندلعت بين المخرج الفرنسي الشّهير جان رونوا(1894-1979) ، ولوي فاردياند سيلين . حدث ذلك في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي ، وتحديدا عام 1937. في تلك الفترة التي تميّزت بالغليان السّياسي الذي سيفضي إلى الحرب الكونيّة الثّانية، كان جان رونوار قد أصبح يحظى بشهرة واسعة لدى أحبّاء "الفنّ السّابع" بعد ظهور فيلمه "الوهم الكبير". أمّا سيلين فقد تصدّر واجهة المشهد الأدبي الفرنسي عقب صدور روايته : ”سفرة في آخر اللّيل"التي حازت على جائزة "رونودو" عام 1934. غير أن روايته الثانية التي حملت عنوان: ”الموت بالدّين" لم تحقّق النّجاح المنتظر . وغاضبا من ذلك ، آتهّم سيلين "اللّوبي اليهودي" بتدبير مؤامرة إعلاميّة لصرف آهتمام النقاد والقراء عن عمله المذكور. ولكي يزيد في إثبات كراهيّته لليهود، أصدر كتابا بعنوان : ”ترّهات من أجل مجزرة" آعتبر من أعنف الكتب المعادية للّسّامية. ولم يكتف سيلين في كتابه المذكور بالتّهجّم على اليهود، وبالتّشنيع بهم ، بل أطلق لعناته على المساندين لهم ، والمدافعين عنهم من غير جنسهم ، معتبرا جان رونوار واحدا منهم بسبب شخصيّة "اليهوديّ الطّيّب" في فيلم "الوهم الكبير"، وبسبب التّعاطف الذي أبداه فيه تجاه "مصّاصي الدّماء"(أي اليهود). كا آنتقد سيلين رؤية جان رونوار للحرب الكونية الأولى حيث قدّمها كما لو أنها قدر لا يمكن للبشريّة الإفلات منه ، . أمّا صاحب "سفرة في أخر اللّيل "فينظر إلى تلك الحرب كما لو أنها "هول مرعب". وكان جان رونوار المتعاطف في تلك الفترة مع الحزب الشيوعي قد قرأ "سفرة في آخر الليل "، و"الموت بالدّين" مظهرا إعجابا كبيرا بهما ، . مع ذلك لم يحتمل الهجمة الشرسة التي شنّها عليه كاتبهما . وفي يوم من أيّام مطلع عام 1938 ، التقى العملاقان في مقهى بائس وفارغ بباريس. وفي البداية ، عبّر جان رونوار عن إعجابه بأعمال سيلين، واصفا إياها ب"الفريدة" في لأدب الفرنسي" ، والعالمي، منوّها بالخصوص ب"سفرة في آخر اللّيل"، معتبرا "الموت بالدّين"رواية "رائعة غير أن النقاد والقرّاء لم يتمكنوا بعد من فهمها". غير أن سيلين لم يعر آهتماما لما كان يسمع، بل راح يشتم ، ويلعن ، ويبصق غاضباعلى "عملاء اليهود "، وعلى"خدمهم الطّيّعين" ". مع ذلك حافظ جان رونوار على برودة دمه وواصل كيل المدائح لمن كان يسخرمنه ويلعنه جهارا . ولم يكتف سيلين بذلك ، بل صرخ في وجه صاحب "الوهم الكبير" وقد آحتدّ غضبه ، وتطاير بصاقه قائلا: ”قريبا سيأتي الألمان لكي يصلحوا كلّ هذا العطب. . . سوف يجبرونكم على الوقوف وظهوركم إلى الحائط. . . وفي ذلك اليوم كونوا على يقين أنني أنا الذي سيشرف على فصيلة تنفيذ حكم الإعدام!”. عندئذ سارع جان رونوار بالمغادرة وهو في حالة من الإستياء الشديد. في الطريق لامه آبنه الي كان يرافقه على لقاء كاتب يجاهر برغبته في قتله، فردّ عليه قائلا: ”إذا ما نحن منعنا أنفسنا من التّعبير عن إعجابنا بشخص ما بسبب رغبته في إعدامنا ، فإنه لن يطول الوقت لكي ينعدم من حولنا ألأصدقاء". بعد مرور أيّام قليلة على ذلك اللّقاء، كتب جان رونوار في زاويته في جريدة "هذا المساء "النّاطقة بآسم الحزب الشيوعي تعليقا آنتقد فيه بحدّة كتاب سيلين : ”ترّهات من أجل مجزرة "، ناعتا إياه ب"المملّ، وب"الرّتيب" . وأضاف قائلا: ” في كتابه (يقصد (ترّهات من أجل مجزرة)، يذكّرني السيّد سيلين بآمرأة عجوز تعاني من متاعب دوريّة. فهي تشتكي من الآم في البطن، وها هي تصرخ متّهمة زوجها بأنه السّبب في ذلك . وفي البداية تسلّينا صرخاتها العالية، وخشونة عباراتها. وفي المرّة الثّانية ، نحن نتثاءب قليلا . بعدها ننصرف لنتركها تصرخ وحيدة". أمّا أصدقاء جان رونوار والمعجبون به فقد أبدوا الرّغبة في "تأديب "سيلين بصفعات أمام الملأ. . . .&