&

منذ أزيد من عقدين، غادر الكاتب من أصل هندي سلمان رشدي لندن مفضلا الإقامة في نيويورك. ومن وحي إقامته هناك كتب روليته"هيجان" التي بدت وكأنها لوحة قاتمة لأمريكا، وللحياة الأمريكية. وهو يروي فيها قصة مؤرخ يدعى مالك سولاناكا يهجر زوجته وطفله عند بلوغه الخامسة والخمسين من عمره لينطلق إلى نيويورك آملا أن ينسى هناك همومه ومتاعبه. إلاّ أنه سرعان ما يصاب بالخيبة خصوصا بعد أن يكتشف أن أمريكا تشتم بقية العالم،وأن مدمينة نيويورك في عصر الرخاء،أصبحت "الهدف الأساسي للشبق العالمي". كما أنها باتت مدينة "الهيجان،والعنف، والفضائح". ورادا على الذين اعتبروا روايته نقدا لاذعا لأمريكا، قال سلمان رشدي:» بالفعل هناك في الرخاء الذي تعيشه أمريكا راهنا،نوع من التهديد للحياة البشرية. وهناك أيضا هذا العنف العائد بحسب رأيي إلى الرخاء ذاته، والذي يدفع المحرومين منه إلى استعمال القوة ،وإلى الهيجان والغضب". ويواصل سلمان رشدي حديثه عن روايته قائلا:» كان هدفي الأوّلي هو الكتابة عن الحياة راهنا. والصعوبة تكمن في ضرورة العثور على الطريقة التي تمكننا من أن نضع ذلك في السياق الأدبي ،وليس في سياق الروبورتاج الصحفي". وكان سلمان رشدي قد شرع في كتابة"هيجان" بعد أن أنهى كتابة"الأرض تحت قديمها" التي واجه بسببها متاعب كبيرة بسبب طولها. كان يرغب في كتابة رواية قصيرة إذ أنه تعب من كتابة الروايات الضخمة التي يشبّهها بالعمارات الشاهقة حيث لا يرى سكانها إلاّ الأشياء المعقدة.وفي النهاية هم ينسون الأشخاص الذين يسكنون في داخلها. لهذا السبب قرر أن يكتب رواية صغيرة ،شبيهة في بنيتها ببيت بسيط يسهل على الإنسان أن يتحرك فيه .وقد قال لناشره ولأصدقائه أنه إذا ما هو أبدى رغبة في كتابة رواية ضخمة، فإنه يتعين عليهم أن يبذلوا كل ما في وسعهم من جهود لثنيه عن ذلك.
وعن العمل الروائي يقول سلمان رشدي:»جميعنا يعلم تقريبا أن الحياة هي في النهاية بدون فائدة. وعلى الروائي أن يفعل كلّ ما في وسعه لكي تكون الحياة جديرة بالأهمية. والرواية في نظري هي العالم مكتوب بشكل جيد. في الآن نفسه، أرى أنه من الضروري أن تظلّ الكتابة قريبة من الواقع ذلك أن لذّة القراءة ليست في الهروب إلى عالم آخر،وإنما في الإعتراف بالعالم الذي نعيش فيه. إنها المرآة التي تعكس لنا صورة مجهولة من ذواتنا ،إلاّ أننا نعلم ونحن ننظر إليها بأنها تتلاءم مع الواقع. هنا يكمن سحرُ الكتابة ،أي في قدرتها على أن تفتح عيوننا أكثر و وقلوبنا أيضا".