صدرت للكاتب العراقي محمد غازي الاخرس روايته التي تحمل عنوان (ليلة المعاطف الرئاسية) الصادرة عن دار الحكمة في لندن، وتمزج ما بين الواقع والفتنازيا في الحياة العراقية حيث يتتبع احوال المساكين ويقف عند الكثير من عذاباتهم الحياتية في ظل المفارقات التي تسيطر على واقعه ، حيث جعل روايته تسيرعلى سكة ذات محورين، كل مختلف عن الآخر، لكنهما يلتقيان في الأخير لتتكشف الأسرار وتضاء المناطق المعتمة، وتأتي احداث روايته متناغمة مع كتاباته المتعاطفة مع المسحوقين والمغلوبين على امرهم الذين يطلق عليهم باللهجة العراقية (المكاريد) .

الادب الوحشي
تقع الرواية في 235 صفحة من القطع المتوسط ، وتتضمن مقدمة واكثر من 40 فصلا ، في مقدمة الناشر : (في رواية (ليلة المعاطف الرئاسية ) يقدم محمد غازي الاخرس نموذجا نوعيا في اطار ما نسميه (الادب الوحشي) ، وهو ادب وفن متنام ، شعراً ورواية وتشكيلاً ، في مطالع الألفية الثالثة ، في العراق وبلدان عربيةٍ اخرى عانت محنت الفوضى والعنف الأشد وحشية.
ويضيف : امتياز هذه الرواية في جهد كاتبها من أجل ابتكار ثيمة روائية يتضارع فيها الواقع مع الخيال في جريهما من أجل التعبير عن فداحة ما هو متوحش في اليوميات ووقائعها ، حتى ليكاد يتوارى الخيط الفاصل ما بين الواقع والخيال. ويوضح : ( ليلة المعاطف الرئاسية) نتاجٍ هذا التوازن الخلاق الذي يحكمه محمد الاخرس بخياله الأوسع حريةً وببصيرته الأشد إنسانية ، وبخبرته كاتباً ماهراً في توصيل صلته بقارئه.

الواقع والخيال
تدور الرواية عن رحلة مزدوجة يختلط فيها الواقع بالخيال، وتتمثل بذهاب الأستاذ عواد، مدير مدرسة (البواسل) الابتدائية، للبحث عن أولاده الثلاثة المخطتفين في مناطق غرب بغداد رفقة سائقه وأحد تلامذته السابقين، وعلى الطريق المليء بالمنغصات، يموت الاستاذ عواد بعد حدوث مواجهة بين جنود أمريكان وفصيل مقاومة عراقي، يموت من الخوف!!، فيقرر السائق المضي في البحث عن الأبناء المخطتفين.
بالتساوق مع هذه الرحلة الواقعية المتوحشة ،تدور أحداث أخرى فانتازية بمعسكر غرائبي يديره الجنرال كوكز، وكوكز هذا يختطف شابا يُطلق عليه (القارئ – الكاتب)، ثم يحتجزه
التماسا لمساعدته في العثور على معادلة خبأتها عالمة في ديوان شعر ضائع، ولهذه العالمة علاقة ما بـ (القارئ – الكاتب) المحتجز في المعسكر، في ذلك المكان الغرائبي، تجري حكاية مشروع فانتازي للانتصار على الخوف الذي استشرى بسبب الحرب مع إيران، حكاية تحاول تعرية آليات الأنظمة الشمولية في التعامل مع مواطنيها حين تجبرهم على أن يتشكلوا وفق ثقافتها فيكونوا شجعانا على الدوام، محبين للموت، كارهين للحياة. في اخرالرواية، تختلط الأحداث ويتضح أن الرحلتين، رحلة عواد الباحث عن أبنائه، ورحلة كوكز الباحث عن الديوان والمعادلة ،تنتهيان نفس المصير.

الخوف
مما يثير القاريء للرواية ما يتحدث به المؤلف عن الخوف على لسان الجنرال كوكز حبث يقول (الخوف طبقات وكلّ طبقة أعمق غوراً من التي قبلها، ومن ثم اجابة الجنرال حينما يسأله محاوره عن عالم جهنم الجبناء الذاهبين إليه، فيقول (عالمهم مختلف تماماً،إنهم يموتون كلّ يوم بسبب تجدد خوفهم. نحن نموت مرة واحدة،أمّاهم فيخافون باستمرار ولهذا يتجدد موتهم) .
ومايلاحظ على "ليلة المعاطف الرئاسية" أنها ذات أجواء كابوسية بالكامل، من أول صفحة إلى آخرعبارة فيها. ثمة حكايات فرعية مرعبة ومزاج حزين، وهي حسب وصف الكاتب حسن الجراح "حبلى بمشاعر تقبض النفس عن واقع الموت غير الرحيم الذي تجرع المجتمع العراقي – خصوصا الجنوبي- غصصه على مدى أربعين عاماً وبأشكال مختلفة".
ويضيف أن الرواية "تزخر بفيض عارم من الصدق الفطري في ذكر العديد من الشواهد الحية من الشخوص والأماكن والأحاسيس البشرية الصادمة، بعد تلقي جرعة أكثر من الحد اللازم من الموت غير الرحيم للأحباء". وفي الأخير، يفاجئ الروائي، صاحب كتاب "المكاريد" و"دفاتر خردة فروش"،القراء بتجسير الطريق بين الفانتازي والواقعي، وتكتمل المقاربة المتوحشة حين نجد أنفسنا أمام صورة مريعة عن شخصية الجنرال "كوكز"،تماما "كما فعل المخرج اليخاندرو أمينابار في فيلمهThe Othersمن بطولة نيكول كيدمان في اللحظات الأخيرة من الفيلم".
واقع الحال إن الرواية مبنية وفق هندسة معقدة، أحداثها تسير وفق منطق المفاجآت غير المتوقعة، ورغم أن شخصياتها الأساسية قليلة، إلا أنها تمتلئ بالحكايات الفرعية الكابوسية،وكلها يقود إلى اللحظة ذاتها، لحظة ابتداء الرحلتين، التي هي نفسها لحظة نهايتهما الغريبة.
يذكر ان محمد غازي الأخرس باحث وكاتب عراقي من مواليد ١٩٦٧، حاصل على شهادة البكلوريوس في اللغة الفرنسية عام ١٩٩٤ وشهادة الماجستير فيا لأدب العربي ويكتب حاليا أطروحة الدكتوراه في الأدب العربي، صدرله :خريف المثقف في العراق ٢٠١١،كتاب المكاريد .. حكايات من سرداب المجتمع العراقي ٢٠١٢ ،دفاتر خردة فروش .. العوالم السفلية للمجتمع العراقي ٢٠١٣، قصخون الغرام .. في متخيل العشاق وأنثربولوجيا الأنوثة ٢٠١٦،السيرة والعنف الثقافي.. مذكرات شعراء الحداثة بالعراق ٢٠١٧. حصل على جائزة الإبداع العراقي لعام ٢٠١٧ عن كتابه قصخون الغرام ويعمل في الصحافة منذعام ٢٠٠٠.
"ليلة المعاطف الرئاسية" هي الرواية الأولى له.