&

(1)
تدخل المدينة على حين غفلة من أهلها، فتجد رجلين يقتتلان: أحدهما من شيعتك والآخر من عدوك. بإلقائك العصا أمامهما سينسحب تاريخ الكراهية مفسحا المقام لعناق المستغيثين؛ فيدركان أن قلبيهما ينبضان بمعدل واحد للخوف وأن لجسديهما نفس الرعشة والدفء وملمس البشرة؛ فيجلسان متكاتفين، ينصتان لما تقصه عليهما بشأن مهدك النيلي ونشأتك في قصر الفرعون، ثم تكافئهما بعرض خاص ليدك الخارجة من ضمة صدرك كقمر كان يعمر طفولتهما غير المعنية بتصنيف البشر، وحين يلحان كالأطفال على بقائك معهما، تخبرهما أن مغامرة تنتظرك في أرض مدين لتفتح لك القوة والأمانة بوابة العشق على فتاة ذات أنوثة برية، يمسح أبوها الشيخ بيد الحكمة على روحك المعذبة بعنف الصراع بين الحق والباطل .. يبقيك إلى جواره عشر سنوات ليمكنه براح الصحراء وصمتها من فصل كل الخيوط المتشابكة داخلك والتي كلما تتبعت أحدها، ينتهي بإدانة ذات مطالبة من الآن بالبحث عن بديل يصلح كمبرر قوي لخروجك من مصر.

(2)
تدخل المدينة على حين غفلة من أهلها، تجدني أقاتل رجلا من عدوك، فتقتله وتندفع تحت وطأة الشعور بالذنب إلى توبيخي دون مراعاة أن انتمائي لأقلية دينية وعرقية يبدد حياتي في صخب البحث اليومي عن عدو أقاتله .
غدا .. حين تدخل المدينة على حين غفلة من أهلها لا تغضب لرؤيتي أقاتل رجلا آخر من عدوك .. فقط تجاهل الأمر حتى لا تقتلك كمدا حقيقةُ أن ما تراه عيناك إرهاصا بالوصايا التي سيتقولها ـ بعد رحيلك ـ بنو إسرائيل على لسان الإله رب الجنود.

(3)
تدخل المدينة على حين غفلة من أهلها ، تجدني أقاتل رجلا من شيعتك ، فتقتلني، وتبقى روحي معلقة بين السماء والأرض، تطل من شرفة في سديم البرزخ على حواراتك الداخلية وعلى قبضة تطبق على العميق من صدرك؛ فيشيب لها رأس طائر غامض كان يسكن قرب النهر ويطلق صيحة واحدة في نفس الموعد من كل عام، ثم يختفي بانحسار شعوري بفقدان حياتي واكتسابي حكمة الموتى إذ تغرس نبتة اللامبالاة بشأن مصيري النهائي &تـُبقي على رجاء صادق وحيد:
أن تغفر لي كل الآلام التي سببها لك قتلي على يديك.

(4)
دخلت المدينة على حين غفلة من أهلها ، فوجدت رجلين يقتتلان، قلت: أضرب أحدهما؛ فارهبهما و يتوقفان .. غير أن الضربة قتلته؛ ومن يومها كلما تحدثت عن الحق والخير، يؤذونني باعوجاج طفيف في زاوية الفم.
لولا ما لدي من كبرياء لصرخت فيهم:
كم تدوم عقوبة نبي على القتل الخطا؟