في العشرين من شهر فبراير-شباط من العام الحالي، توفي في العاصمة اليابانية طوكيو، شاعر الهايكو الأكبر، توتا كانيكو عن عمر يناهز 98 عاما. ومؤخرا صدرت عن دار "بيبا" ترجمة فرنسية لسيرته &التي كانت قد صدرت في لغته الأم عام 2016 .

وقد ولد توتا كانيكو عام &1919في منطقة" شيشيبو" الجبلية الواقعة على &بعد مائة كلم شمال طوكيو. وكان والده طبيبا فقيرا مُغرما بكتابة الهايكو لكن من دون أن يزعم أنه شاعر بالمعنى الحقيقي للكلمة. وبسبب الفقر الذي كانت تعاني منه تلك المنطقة الجبلية، كان يقبل بأن يعالج المرضى مقابل مبالغ تافهة، وأحيانا مقابل دجاجة، أو أرنب بري اصطيد في الجبل.&

وفي المعهد الثانوي، شرع توتا كانيكو في كتابة أشعار الهايكو. وكان ينشر قصائده في مجلة مدرسية تحتضن انتاج أحباء الشعر في أوساط الشباب المدرسي. وكان الشاعر سايهو شيمادا &الذي كان معروفا في &الأوساط &الأدبية والثقافية مشرفا على المجلة المذكورة. ومنذ البداية تأثر به الشاعر الشاب الذي هو توتا كانيكو، وشرع يتردد على مجالسه الخاصة بغرض الإستفادة منه.

وفي فترة الثلاثنينات، تزامنا مع صعود المد النازي في ألمانيا، برزت النزعة العسكرية في السياسة اليابانية الرسمية. وقد استغلت الطبقات الرجعية والمحافظة تلك النزعة لدعم نفوذها، ونشر أفكارها الشوفينية في كامل أنحاء البلاد. وبتلك الأفكار، &تأثر توتا كانيكو في مطلع شبابه، ظانا أن النزعة العسكرية يمكن أن تحقق لبلاده التقدم والرقي، وتساعدها على أن تصبح دولة عظمى مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. لذلك لم يتردد في الإلتحاق &بالجيش ل"الدفاع عن الأمة اليابانية العظيمة". وفي سيرته يعترف توتا كانيكو &أنه كان معاديا للديمقراطية. وكان يعتبر كل الداعين لها، وأيضا الداعين للإشتراكية، &أعداء لوطنه. &&

وبعد اندلاع الحرب الكونية الثانية، وتحديدا عام 1941، قامت السلطات العسكرية اليابانية باعتقال الشاعر سايهو شيمادا بسبب رفضه للنزعة العسكرية، وللأفكار المحافظة والشوفينية. وفي السجن قامت الشرطة بتعذيبه بطريقة وحشية سوف تؤدي الى وفاته بعد إطلاق سراحه بفترة قصيرة. كما اعتقلت وعذبت أيضا الشاعر هايجين هاكسون واتانبي الذي كان من ابرز وجوه الحركة الشعرية الجديدة في مدينة كيوتو. وقد اشتهر في تلك الفترة بقصيدة يقول فيها: "الحرب كانت هناك منتصبة عند نهاية الرواق". ولم تكتفي الشرطة بذلك، بل زجت في السجن بشعراء آخرين بينهم شاعرة شابة كتبت قصيدة فيها تقول :" تحت سماء من الرياح الموسمية، نساء يرددن خلال المظاهرة: تحية للبنود الرافضة للحرب في الدستور". مع ذلك واصل توتا تانيكو &القتال على جبهات متعددة ليعيش أهوالها وفظائعها. وفي فترات الهدوء، كان يكتب قصائد يصور فيها الحظة :" قصف ! وقلمي مشحوذ جيدا للكتابة". &و في قصيدة أخرى كتب يقول :" هضبة من جوز الهند والشمس تسطع كل صباح على هذه المجزرة في الوحل". أو :" أيتها السحب الزرقاء فوق البحر – وأنت ليس عليك أن تطرح أسئلة: &عشْ فقط".&

عند نهاية الحرب، انتشرت المجاعة في اليابان لتحصد أرواح الكثيرين. وكان على توتا كانيكو أن يقتات مع رفقاه الجنود المهزومين من الأعشاب البرية، ومن الضفادع والثعابين خشية الموت جوعا. وواصفا تلك الأوضاع العسيرة، كتب يقول :" ملاحظة الموت عن قرب، كانت بالنسبة حين أتذكر ذلك الآن، تجربة مريعة. & لكن في الوقت ذاته، كان لنا شعور بأننا نعيش في عالم مجهول، وفي صقْع يبدو غير طبيعي، وغير عادي. &ونحن نجد أنفسنا في وضع لا يمكن تصوره. أما في مجتمعاتنا المعاصرة فإن الفرصة لا تتوفر لنا لكي نعيش تجربة مواجه الموت وجها لوجه".

ولم يتمكن توتا تانيكو من اصدار مجموعته الشهرية الأولى إلاّ عام. &وقد احتوت هذه المجموعة &على قصائد تعكس التجارب المريرة التي عاشها خلال الحرب الكونية الثانية، أي عندما &مان يعيش الموت يوميا، بل في كل لحظة وفي كل ساعة. فمرة هو في غابات كثيفة جعلتها الغربان تبدو سوداء رغم ان الربيع في منتصفه. وهو منحن يستمتع بنور البحر منعكسا على ظهره، وأمامه & الزهور وقد تحولت إلى أوراق. وقبالة &نصب تذكاري تخليدا للفنانين الذين استشهدوا على جبهات القتال، هو &يتذكر أن أغلب هؤلاء قضوا في المستنقعات وفي الغابات الكثيفة. &كما يتذكر فنانا رسم صورة لزوجته، ولكفها &المثير، &ثم انطلق ليموت على جبهة القتال. &وبينما يهيم &الجنود المهزومون &على وجوههم، ينضج الرز، وتكبر أشجار الخاكي.