نعيش عالمًا يتميز بالإفراط في تقديم المحتوى الإعلامي. تسود الأخبار الكاذبة اليوم وسائل الإعلام الاجتماعي، مع تقدم فنون الخطابية الشعبية، وغلبتها. فكيف نعرف أي محتوى حقيقي، وأيّه مضلل؟.

إيلاف: من الأشياء التي يمكن أن نتعلمها من الكتب اكتشاف الأخبار الكاذبة. تناولت مدونة بيكينغ بوكس عددًا من الكتب التي تعالج الخطابية والأخبار الكاذبة ومواصفات الصحافة الموثوقة في عصر الإعلام الاجتماعي، من بين موضوعات أخرى.

كتاب "صانعو الضربات" Hit Makers عرض مكتوب بلغة جميلة للطريقة التي يحقق بها الأفراد والنتاجات الثقافية شعبيتهم. ويروي مؤلفه ديريك تومسن قصة معقدة بأسلوب مبسط.

أداتان خطابيتان
يدور الكتاب حول علم الشعبية، ويبيّن طرائق السياسيين والشركات في استخدام الخطابية واللغة الموسيقية والحكاية للتأثير في الجماهير. فالخطابية جزء من علم الشعبية ومن العناصر التي تجعل قصة صنع الضربات الناجحة بهذا التعقيد، وكيف أصبح كثيرون مكشوفين أمام تأثير الخطابية والأخبار الكاذبة.

الخطابية فن الإقناع. يمكن أن تغوي الجمهور وتغضبه وتغيّر رأيه أو دوافعه إلى العمل. وهي فن قديم نستخدمه كل يوم، رغم أن غالبيتنا ليست متفوهة مثل أرسطو. &

الذين يجيدون الخطابية يستخدمون عددًا من الأدوات الخطابية لإستثارة ردود الأفعال المرغوبة في الجمهور. يناقش الكاتب أداتين خطابيتين: الجناس وتكرار مفردات معيّنة في عبارات متتالية، لكن بترتيب مختلف، وهما مثالان جيدان على كيف يمكن أن تسحرنا الكلمات.

هناك جانب مظلم في الخطابية. فهي تتلاعب بعواطفنا. يقول جاي هاينريكس في كتابه "شكرًا على الجدل" Thank you for Arguing إن أرسطو أدرج الغضب والوطنية والمنافسة على أنها "عواطف يمكن أن تنتزع الجمهور من مقاعده، وتجعله يفعل ما تريده". لسوء الحظ، يستخدم سياسيون ومؤسسات إعلامية ذات توجهات مختلفة الغضب والوطنية استراتيجيات خطابية في أحيان كثيرة.

ليست سيئة دائمًا
يشدد تومسن على الجانب المظلم من الخطابية، قائلًا إن الأدوات الخطابية تبرقع أفكارًا بشعة بلغة جميلة.

لكن الخطابية ليست سيئة دائمًا. يشير هاينريكس إلى أنها تعلمنا كيف نجادل بلا غضب. يقول إن الخطابية ليست معنية بالإقناع الخيِّر في مواجهة الإقناع الشرير، بل تهتم بالنتائج المنشودة فحسب. وتعتمد الناحية الأخلاقية في هذه الممارسة على الخطيب، والشخص الخيٍّر يمارس التلاعب باللغة من أجل الخير.

لكن التلاعب ليس دائمًا من أجل الخير، ونحن نكشف أنفسنا للتلاعب، ونعرّض أنفسنا لما يسمّيه تومسن "الاحتراق الأيديولوجي"، قائلًا إن كثيرًا منها مصابون به، أي تأثير المواقف المتحيزة في ما نقرأه من تقاير ونعرّض أنفسنا له من آراء. فالليبراليون يتقوقعون في مواقع إلكترونية تتكلم لغتهم، والأشخاص الذين يتلقون معلوماتهم من "تويتر" يستطيعون أن يصمموا تيارًا من الأخبار يلائم آراءهم المسبقة. تتحكم معادلات ذكية بوسائط، مثل فايسبوك ونتفليكس، وغيرها من الوسائل التي تفصِّل عالم الخيارات على مقاس تفضيلات الشخص المسبقة.

أي محتوى مضلل
الأخبار الكاذبة مصطلح نُحت حديثًا، وهو يعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين. وبحسب تعريف جامعة ولاية بنسلفانيا، فالأخبار الكاذبة هي أخبار من "مصادر تتعمد نشر محتوى مضلل أو تشويه تقارير خبرية حقيقية بشكل صارخ".

ليس ضروريًا أن تكون الأخبار الكاذبة سياسية أو حتى أخبارًا، فأي محتوى، سواء أكان قصة خبرية أو مدونة أو ملفًا صوتيًا أو شريط فيديو، ينشر معلومات مضللة أو مشوهة هو أخبار كاذبة.

على سبيل المثال، يناقش نويد صالح في كتابه "الدليل الكامل إلى كتابة المقالة" The Complete Guide to Article Writing العواقب الوخيمة للمعادلة الكاذبة التي روّّّجها الإعلام عن اللقاحات. يكتب صالح أن باحثين طبيين أثبتوا أن تلقيح الأطفال لا يسبب مرض التوحد، وما نُشر في عام 1998 عن وجود علاقة سببية دُحض وفُند بوصفه أكذوبة. مع ذلك، يعطي الإعلام منبرًا للقائلين بهذه العلاقة الكاذبة لترويج معلومات غير دقيقة. أدت هذه المعادلة بين الداحضين والمصرّين على وجود هذه العلاقة إلى تراجع كبير في معدلات التلقيح في الولايات المتحدة وبريطانيا، أسفر عن تفشي وباء الحصبة في أميركا في عام 2008.

قابلة للتحقق
يصعب اكتشاف الأخبار الكاذبة عندما يشرعنها الإعلام بمنح صانعيها منبرًا، ويصبح الاعتراف بكذبها أصعب عندما تتوافق مع معتقداتنا، أو عندما تُقدَّم بطريقة خطابية مؤثرة.

يُلاحظ أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتاد أن يسمّي تقارير يمكن التحقق من صحتها من مصادر إخبارية محترمة وموثوقة أخبارًا كاذبة. والمفارقة أن جوهر اتهاماته هو معلومات مفبركة، بحسب مدونة بيكينغ بوكس.

من جهة أخرى، يقول الفيزيائي الفلكي نيل ديغراس تايسون إن خروج هذه الأقوال من فم ترمب لا يعني أنها لغو.

للتوصل إلى الحقيقة علينا أن نبحث عن مواقع ومؤسسات إعلامية موثوقة، وألا نهتم بميولها، وما إذا كنا دائمًا نتفق معها، بل يجب أن يكون تركيزنا على استهلاك المعلومات من مصادر موثوقة. بحسب صالح، على الصحافة أن تكون قابلة للتحقق مما تقوله، وشفافة ومتماسكة.

صحافة التوكيد
الصحافة الجيدة هي صحافة الحقائق المشفوعة بأدلةٍ يمكن التحقق من صحتها. إذا كان الصحافي معروفًا بكشف المعلومات الملائمة والخيارات الصحافية المتاحة، فالأرجح أنه صحافي يثمن الشفافية.

التماسك هو كيف يفهم الصحافيون ما يتعاملون به من حقائق. يوضح صالح أن على الجمهور أن يكون قادرًا على اتخاذ قراره بنفسه، لكنه يحتاج سياقًا كي تكون الحقائق منطقية. يختلف التماسك عن الدعاية، فهو يوفر سياقًا، في حين تهدف الدعاية إلى تغيير فهم المتلقي للقصة بتشويهها. يكون التقرير الإخباري متماسكًا إذا أتاح للمتلقي أن يفهم الصورة الأوسع. &

المفهوم المهم الآخر الذي يذكره صالح هو صحافة التوكيد. وبحسب بيل كوفاك وتوم روزنتيل في كتابهما "ضبابية: كيف تعرف ما هو صحيح في عصر الإفراط في المعلومات" Blur: How to Know What’s True in the Age of Information Overload، صحافة التوكيد هي إعلام سياسي جديد لا يبني الولاء على أساس الدقة أو الصورة الكاملة أو التحقق، بقدر ما يبنيه على توكيد معتقدات جمهوره، وبالتالي يميل إلى انتقاء المعلومات التي تخدم هذه الغاية. وعليه، إذا أغضبت الأخبار المتلقي الذي يشاهدها أو يقرأها أو يسمعها أو جعلته يشعر بالسخط، فهذا يعني أن الوقت حان للبحث عن الأخبار في مصادر أخرى.
&
&
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مدونة "بيكينغ بوكس". الأصل منشور على الرابط:
https://pickingbooks.com/blog/how-to-spot-fake-news
&