يتناول أوفي جونسون في كتابه "الأعياد السنوية" الاضطرابات التي عصفت بأميركا في الستينيات، والحياة اليومية في ألمانيا النازية، مسجلًا حوادث القرن العشرين من خلال عيون جيسين كريسبل، الألمانية المهاجرة إلى أميركا.

إيلاف من بيروت: ولد أوفي جونسون في عهد الرايخ الألماني الثالث، وفي عام 1966 بدأ بأعظم إبداعاته الصاخبة والحيوية بعد أن غادر ألمانيا الشرقية مع أسرته إلى الولايات المتحدة. لم يكتمل هذا الإبداع حتى عام 1983، أي قبل عام من وفاته. في ذلك الوقت، انهار زواجه وكان يعيش وحيدًا في شيرنيس، في كينت.

ترجمة جديدة

في كتابه "الأعياد السنوية" Anniversaries (منشورات نيويورك ريفيو أوف بووكس، 25 جنيهًا استرلينيًا)، يتناول جونسون في الوقت نفسه الاضطرابات التي عصفت بأميركا الستينيات، والحياة اليومية في ألمانيا النازية، فيسجّل الاضطرابات التي حدثت في القرن العشرين من خلال عيون جيسين كريسبل التي تترك مونشنغلادباخ بعد الحرب لتربية ابنتها الصغيرة ماري، في الجانب الغربي العلوي من نيويورك.

في النسخة الأصلية الألمانية، ظهر الكتاب في أربعة أجزاء طوال 13 عامًا؛ ثم جاء النص الإنكليزي المختصر في عام 1987، لكن لم يتمكّن القرّاء الناطقون بالإنكليزية من التلذّذ بقراءته كاملًا إلا الآن، في ترجمة داميون سيرلز في مجلدين.

سلسلة من المحادثات بين جيسين وماري البالغة من العمر 10 سنوات، المتعطشة إلى حد بعيد لحكايات من طفولة والدتها، حكايات تتكشّف على مدى 12 شهرًا، فصل واحد لكلّ يوم من 21 أغسطس 1967 إلى 20 أغسطس 1968. وبينما تنسّق جيسين بين عملها في البنك واعتنائها بابنتها، فذكرياتها الكئيبة (موت أمها في ليلة الكريستال وتعرّض والدها للتعذيب بيد السوفيات) يتخلّلها سرد في الزمن الحاضر لأحداث الشغب العنصرية في الولايات المتحدة وتزايد الإصابات في فيتنام.

ينادونها بالألمانية

نلمس في الرواية أيضًا معالجة دقيقة لموضوعي الأمومة والهجرة. فشراء صحيفة نيويورك تايمز كل يوم وتعلّم كيفية التنقّل بالمترو هما من الأمور التي تساعد جيسين على الاندماج في حي يناديها أهله بـ"الألمانية" التي، بمجرّد النظر إليها - حتى من قبل الأصدقاء - يستحضرون "خمسة وخمسين مليون قتيل، إضافة إلى ستة ملايين آخرين من ضحايا معسكرات الموت". يتعلق جزء من الرواية بتربية طفل في ثقافة أجنبية. تتعّلم ماري التي تشعر باستياء جيسين أن تكرّر الكلام الساخر عن الأميركيين الأصليين وتعبّر عن غضبها من عادة معلّميها في جمعها دائمًا مع الفتاة السوداء الوحيدة في صفّها.

في الوقت نفسه، فإنّ وعي ماري السياسي الواضح – حيث تكتب مسودّة برقية إلى أرملة مارتن لوثر كينغ وتجد نفسها غاضبة من مشهد المتظاهرين المناهضين لحرب فيتنام الذين يتعرضون للمضايقات من قبل المتسوقين في عيد الميلاد الذين ينصحونهم بضرورة زيارة حلّاق الشعر – يسبّب لها شجارات مع جيسين التي لا تعبّر عن معارضتها خوفًا من ترحيلهما.

غائب ومتكلم

ما يسمّيه شخص ما "المسؤولية الشخصية لما تقوم به حكومة بلدك" هو من القضايا التي تحدّد الرواية، حيث يتحدّانا جونسون أن ننظر إلى ألمانيا الثلاثينيات وأميركا الستينيات على أنهما متوازيتان إلى ما لا نهاية.
كلّ هذا يتكشّف في دوامة من أفكار الشخصيات، والكلام المنقول (الخيالي أو غير ذلك)، والكتابة الصحفية المعاد صوغها ووصف المؤلّف، حين يستخدم جونسون صيغة الغائب تارة وصيغة المتكلّم طورًا. هناك أيضًا ألعاب القص الما ورائية. فتقول جيسين بينها وبين نفسها للمؤلّف بينما كانت تتذكر ماضيها وتراقب كيف يمكنها أن تسمع نفسها، وهي لا تتحدث عن الموقف الماضي الذاتي (الحقيقي) فحسب، لكن أيضًا من موقع شخص في الخامسة والثلاثين من العمر اليوم: "لقد أعطيتك سنة. كان هذا اتّفاقنا".
بمجرد أن تلتقط إيقاعات جونسون، لن تتوقّف عن القراءة.&

يبدأ أحد الفصول بقوله: "إذا كنا نرغب في المتابعة اليوم من دون توقّف، فسنحتاج إلى ترقيم الأقسام". يبقيك حسّ الدعابة متأهّبًا.

تقرأ جيسين في الصحيفة: "كان هناك 746 جريمة قتل في مدينة نيويورك في العام الماضي، معظمها في عطلة نهاية الأسبوع، أقلّها في أيام الأربعاء. كانت أكثر الأسباب شيوعًا هي النزاعات الداخلية والتعليقات المُهينة. كن مهذبًا دائمًا!".

كتب جونسون "الأعياد السنوية" في وقت الأحداث المعاصرة التي حطّت بين يديه. ويسيطر على الكتاب جوّ من العفوية بشكل مثير، يكاد يخرج عن السيطرة تقريبًا. الآن، يمكن بالتأكيد معرفة سبب عدم ترجمة هذا الكتاب كاملًا من قبل. لكن ها هي: رواية عن سنة، أو ربما أفضل رواية في السنة.&

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان". الأصل منشور على الرابط:

https://www.theguardian.com/books/2018/dec/30/uwe-johnson-anniversaries-review