حين اريد ان اقتني لوحة سأحكّم ذوقي . ما لا يتناسب مع ذوقي لا اقتنيه. منطقي تماما.
حين ارفع ذوقي الشخصي الى مرتبة معيار للحكم على لوحة او مدرسة فنية فاني عند هذه اللحظة ارتكب خطأ. الحكم على الاتجاهات الفنية كما و الاعمال المنفردة يجب ان لا يكون محكوما بالذوق . انه يتطلب حيازة كمٍ من المعارف في مقدمتها تاريخ الفن و تاريخ تعاقب الاساليب الفنية و مميزاتها.&
من حق اي منا أن لا يعجب بالمدرسة الانطباعية. من حقه ان يرى ان الطبيعة اجمل من الاعمال الانطباعية . هذا ايضا لا غبار عليه و مسألة ذاتية تتعلق بالذوق الشخصى و لكن كما في الحالة الاولى فإنه سيرتكب خطأ ، بل و خطأ فادحا اذا ما جعل هذا معيارا حكم به على مدرسة فنية كاملة . فالجمال هو وجهة نظر بحته ضمن هذا السياق تتعلق بالذوق رغم ان الجمال ايضا له معايير موضوعية.&
الخطر الكامن في وجهة النظر هذه تؤدي الى ما يلي : طالما الطبيعة اجمل من لوحات الانطباعيين اذن علينا ان نذهب الى الطبيعة و ننصرف عن النظر الى الاعمال الفنية الانطباعية.&
هل الجمال موضوعي؟&
هل هذا معيار ؟&
مَن اجمل مِن مَن؟
الانطباعية اشهر و اهم مدرسة على الاطلاق في تاريخ الفن.&
هذا ليس انحيازا يتعلق بالجمال المجرد . انما الجمال الموضوعي في سياقه التاريخي . اي تعاقب اشكال الرؤية في التاريخ البشري و تعاقب اشكال التعبير عنها.&
لقد اسست الانطباعية لفن القرن العشرين و بدونها لا يمكننا ان نتصور عالمنا المعاصر .

التقنيات
1.&& &في تطورها المتأخر توصلت الانطباعية الى تكنيك المزج البصري . الانطباعيون لم يستعملوا غير الالوان الرئيسية . فللحصول على اللون البرتقالي مثلا وضعوا ضربات متجاورة و متداخلة من الاصفر و الاحمر جنب بعضها البعض. و بهذا لم يكن اللون مزيجا من الاحمر و الاصفر على قماش اللوحة انما في العين من مسافة محددة.
2.&& &لم تعد الالوان تخلط على الباليت انما في الغالب على قماش اللوحة بضربات سريعة متداخلة.
3.&& &تم التخلي عن الاسود ، عدا رينوار الذي استمر في استخدامه و وضعه بمهارة في بعض من لوحاته.
الممهدات الاجتماعية لظهور الانطباعية:
ظهرت الانطباعية في منتصف القرن التاسع عشر . كانت البرجوازية قد انتصرت سياسيا بالثورة الفرنسية عام 1789 و لكن قيمها الجمالية و رؤيتها للحياة احتاجت وقتا اطول لكي تسود.
كممثلين للطبقة الناشئة المتفائلة المقبلة على الحياة حرر الانطباعيون انفسهم من رسم الدواخل المنارة بضوء اصطناعي. و تخلوا عن الالوان البنية الداكنة و التضادات الدرامية بين الظل و الضوء كما في لوحات رمبراندت و فان دايك . كان رسامو ما قبل الانطباعية يرسمون المشهد الطبيعي ايضا بمجموعة الوان الدواخل . فالمشاهد الطبيعية التي رسمها رمبراندت على قلتها كانت بمجوعة الوان الدواخل البنية و البرتقالية.

الضوء و انبوبة اللون
بمزاج جديد ظهر الناس على الحدائق و المتنزهات و ادهشت هذه المشاهد الرسامين الذين سيكونون رياديين من خلال المدرسة الانطباعية . لذا كانت اول لوحة صُنّفت اصطلاحا على انها انطباعية هي "غذاء على الحشائش " لمانيه رغم انها لونيا لم تكن انطباعية، اذ كانت ما تزال تحمل مجموعة الوان الدواخل بقدر ما ، الا ان موضوعها : اناس يتناولون طعامهم في الطبيعة و امرأة "ارضية" عارية تجلس معهم و اخرى تنضو عنها ملابسها في الخلفية بدون تأويل ديني او ميثولوجي كان صرخة جديدة اثارت حفيظة ممثلي الفن القديم.
لكن الرسم في الطبيعة و تحت ضوء الشمس مكّن الانطباعيين من رؤية الوان جديدة لم يكن غيرهم قادرا على رؤيتها و في مراحلهم المتأخرة حللوا اللون و الطيف الشمسي حتى توصلوا الى اكتشافاتهم اللونية الريادية و غير المسبوقة.
في هذه المرحلة بدأ تصنيع انابيب الزيت التي حملها الفنانون معهم بسهولة و بدونها سيكون الرسم في الهواء الطلق متعذرا فقد كان فنانو ما قبل الانطباعية هم الذين يحضرون الوانهم و بحاويات كبيرة نسبيا. لقد ساهم اكتشاف انبوبة الزيت الصغيرة السهلة الحمل على الرسم في الهواء الطلق. قبل هذا كان الفنانون يرسمون الطبيعة في الاستوديو بعد ان يكون قد رسموا سكتشات صغيرة مباشرة بحضور المشهد.

سيرا، فان كوخ و غوغان
حين رسم فان كوخ و غوغان ، باعتبارهم مع اخرين ما بعد انطباعيين ، كانت المنجزات الثورية للانطباعيين في تحرير اللون و اطلاقه من اسره قد ترسخت . رسم غوغان بحرية لونية كبيرة و كذلك فان كون الذي استعمل الضربات العريضة للفرشاة&
بلغت ما بعد الانطباعية ذروتها على يد سيرا الذي اسست لنظام لوني صارم يقوم على نقاط متجاورة تماما كنظام التلفزيون الحالي و كان يحتاج الى وقت طويل قد يصل الى بضع سنوات لانجاز لوحة كبيرة مثل لوحة "يوم احد في غراندجات".. كل هذا لم يكن ممكنا بدون الانطباعية.

حررتم اللون؟ نحرر الشكل ايضا
كانت فلسفة الفن في القرن العشرين تقوم على هذه المحاكمة: "اذا كنتم قد حررتم اللون من اسار الواقع فلماذا لا يحق لنا ان نحرر الشكل ايضا؟".
هكذا تمت الاطاحة بالمنظور و بالتناسب. كانت بواكير ذلك ان نشاهد لوحات ماتيس بمنظورين او اكثر. اما لوحات بيكاسو المبكرة و خصوصا الكلاسيكية الحديثة فلم تكن تراعي التناسب (proportion) في رسم الاجساد.
و انطلق فن القرن العشرين محررا نفسه من كل قيد.
كل ذلك لا يمكن تصوره بدون الانطباعية.
لماذا لا يحب الكتاب و النقاد الطبيعة؟
يحب النقاد و الكتاب اشكال الرسم السردية لانها تعطيهم مادة للكتابة. انهم يقومون انطلاقا منها بسرد موازٍ ، هو سردهم و ليس السرد الذي ذهب اليه العمل بلغته البصرية . انها نقطة اثارة للكتابة ، لكي يكتبوا اشياءهم الخاصة.
الطبيعة تبدو محايدة ، بسيطة و واضحة.&
انها تجعلهم في حيرة. ماذا بودهم ان يكتبوا ؟ كل شيء واضح . مشاهد اللوحة لا يحتاج الى وسيط او وصاية.
لكن الامر ليس على هذا الشكل الظاهر للوهلة الاولى.
الطبيعة صعبة المنال جدا. يصعب على الكثيرين الوصول الى روحها النابض الكامن خلف الشكل الظاهر . خطابها ، حوارها ، نقاؤها ، دورها التهذيبي .
همساتها لا تصل الا لقليلين.

&لوحات . تفصيل من لوحة يوم احد في غراندجات لسيرا . و لوحة غداء على الحشائش لمانية
&