يجسّد كتاب "السيد 5 في المئة" قصة كالوست كولبنكيان، رجل النفط الثري الذي عبّد الطريق لكبار الأثرياء العالميين الذين لا تقيدهم قيود.

إيلاف: توصف نهاية العهد العثماني عمومًا بطريقتين: في الأولى، إمبراطورية محتضرة اضطهدت رعاياها المسيحيين، وبدأت بإبادتهم؛ وفي الثانية، تواطؤ المسيحيين مع الأجانب لتفكيك عالم إسلامي عاشوا فيه بأمان تام. لكنّ حياة كالوست كولبنكيان، رجل الأعمال الثري والمحسن الذي ساعد على تشكيل صناعة النفط اليوم، تقدم منظورًا ثالثًا.

أرمني ذو جذور عميقة في وسط الأناضول، وُلد كولبنكيان من قلب العالم المسيحي العثماني. وكما يظهر جوناثان كونلين في سيرة الحياة الدقيقة التي كتبها عنه تحت عنوان "السيد 5 في المئة: الحيوات العديدة لكالوست كولبنكيان الرجل الأغنى في العالم Mr Five Per Cent: The many lives of Calouste Gulbenkian, the world’s richest man، فقد لخّص أحد المعالم المدهشة للتاريخ العثماني المتأخر: الانطلاق الأخير للتوسع الاقتصادي، الذي كان ممكنًا بفضل خبرة ورأسمال المسيحيين البارزين، من مصرفيين يونانيين إلى تجار أرمن متجولين. فضلًا عن كونه محاورًا سلسًا مع النبلاء الأوروبيين، تمتّع أيضًا بفهم من الداخل للمنطقة التي كانت تسمّى آنذاك الشرق الأدنى. وجعله شعوره بالآخرين سمسارًا رائعًا لصفقات متعددة الجوانب كانت ترضي جميع الأطراف على ما يبدو، بمن فيهم هو نفسه.

فتحت له نافذة
ولد كولبنكيان في عام 1869 من أب له مصالح نفطية متنامية في القوقاز وبلاد ما بين النهرين، وارتاد المدارس الثانوية الفرنسية وكلية كينغز في لندن.

بعدما عانى الأرمن العثمانيون من موجة من القتل، عاد إلى لندن في عام 1897؛ وسرعان ما بنى علاقات في عالم المال. في عام 1907 ساعد على الجمع بين الشركتين اللتين شكلتا رويال داتش شل.

لكنه غطس مجددًا في عالم الأعمال العثمانية عندما فُتحت له نافذة لخدمة الإمبراطورية. حتى عام 1914، قدّم المشورة إلى الأتراك الشباب الذين استولوا على مقاليد السلطة العثمانية، بينما قاوموا أسيادهم الاقتصاديين الأوروبيين، فتلاعب بالطرفين بدهاء.

من خلال العمل عن كثب مع كافيد، وزير المالية، أسّس كولبنكيان كلًا من البنك الوطني التركي الجديد وشركة النفط التركية (TPC)، وكان لهما توازن دقيق وحسّاس بين المساهمين الغربيين.&

وأغلقت!
لكنّ النافذة سرعان ما أُغلقت. وابتداءً من عام 1915، وفقًا لما يشير إليه هذا الكتاب إلى حد ما، "مات بين ثلث ونصف أرمن العالم في مسيرات قسرية" من "الإرهاق أوالجوع أو المرض" أو برصاص الجنود العثمانيين وشركائهم الأكراد. وعلى الرغم من أن كولبينكيان صاغ وصية تنص على إعانة الأيتام الأرمن، فقد بدا أن مأساة شعبه لم تكن ضمن اهتماماته في ذلك الوقت ؛ بدلًا من ذلك، كان مشغولًا في إدارة علاقة مضطربة إلى حد ما مع هنري ديتردنغ، زميل فاحش الثراء في مجال النفط.

كان باستطاعته أن يؤدّي بسهولة دورًا في الضغط من أجل الحصول على وطن أرمني بعد الهزيمة العثمانية، لكنه بقي بعيدًا.

وضعت الحرب العالمية الأولى نهاية للسيطرة التركية على حقول النفط في العراق الحالي، لكن ليس لشركة TPC. في عام 1928، قامت الشركة، التي تضم عددًا من المساهمين بمن فيهم كولبينكيان نفسه، بعقد صفقة لاستخراج تلك الودائع. جعلته حصته البالغة 5 في المئة رجلًا فاحش الثراء، وجامعًا عظيمًا للأعمال الفنية في مسكنه في باريس، لكنّ كونلين يقدّمه على أنّه رجل مدفوع بتشويق التجارة نفسها أكثر منه بحبّ المال.&
&
مبعوثًا إيرانيًا
خلال الحرب العالمية الثانية، كان كولبنكيان مبعوث الحكومة الإيرانية لدى النظام الفرنسي التعاوني، وأعلنت بريطانيا آنذاك أنّه عدوًا أجنبيًا. لكنّ أصدقاءه في المؤسسة تدخّلوا، فنال السماح بعد عام 1945، على الرغم من أنّه عاش باقي حياته في لشبونة (حيث دعم مؤسسة خيرية معروفة).

يقال إن كولبنكيان تعامل مع اندلاعات الكراهية العرقية والحرب على أنّها نوع من الإزعاج الذي ينبغي التغلب عليه بشكل عملي أثناء بناء التحالفات التجارية وتنسيق إمدادات النفط.

إضافة إلى اقتفاء معاملات كولبنكيان المهنية، يستحضر كتاب كونلين عائلة كولبنكيان المختلّة. ومن بين المعلومات التي لا تنسى، أن طبيبًا أرمنيًا نصحه في منتصف عمره بممارسة الجنس مع شابات عدة، وهي نصيحة اتّبعها، وتحمّلتها زوجته، التي عانت طويلًا على ما يبدو. وعلى الرغم من كل التفاصيل الغنيّة، فإنّ ما حقّقه من الانهيار العنيف للإمبراطورية التي ولِد فيها، يبقى لغزًا.&

&