تتراجع الصناعة البريطانية بشكل مطرد، وهو التراجع المتزامن مع التهافت البريطاني في عصر ما عادت فيه بريطانيا "عظمى". فكيف تفككت الإمبراطورية؟.
&
إيلاف: يرى البريطانيون أن صناعاتهم التحويلية تتراجع وتنقرض الواحدة تلو الأخرى. وحين كان جورج أوزبورن وزير المالية في حكومة ديفيد كاميرون تعهد بإحياء هذا القطاع، والإرتقاء ببريطانيا على أكتاف مواطنين يصنعون ما يستهلكون بأيديهم وعقولهم.

لكن بريطانيا تراجعت الآن وراء فرنسا في حجم الإنتاج الصناعي. فهناك أسماء شهيرة لشركات صناعية كبرى اشتراها مستثمرون أجانب، ولم تعد هناك سيارة في بريطانيا يمكن أن تُسمّى بريطانية 100 في المئة. وبادر مؤيدو الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى توظيف هذا الشعور بالخسارة، واعدين بأن يعيدوا بريطانيا لتكون سيدة البحار من جديد.

يحلل جيمس هاملتون باترسون في كتابه "ما خسرناه: تفكيك بريطانيا العظمى" What We Have Lost: The Dismantling of Great Britain العوامل التي حوّّلت بريطانيا بسرعة من بلد منتجين نشيطين إلى بلد مستهلكين سلبيين وسماسرة ماليين.
&
حنين إلى عصر ذهبي
الكتاب لا يدغدغ حنين مؤيدي بريكسيت إلى عصر ذهبي مضى، كما توحي به ألوان العلم البريطاني على الغلاف، بل هو عمل مركب أكثر تعقيدًا من ذلك، بحسب صحيفة "غارديان" في مراجعتها الكتاب، مشيرة إلى أن المؤلف لا يتأخر في الهجوم على ما يسمّيه "القرار المتسرع بلا تفكير" للانسحاب من الاتحاد الأوروبي بعد 44 عامًا من العضوية.&

يهاجم الكاتب باللغة اللاذعة نفسها دعاة الهدوء والاستمرار بروح متفائلة يستعيرونها من الأيام الأولى للحرب العالمية الثانية حين كانت مدن بريطانيا كلها مهددة بالقصف من الجو. ويربط المؤلف أزيز طائرات السلاح الجوي الملكي التي كانت تحمي سماء بريطانيا بالخوف والخسارة، وليس بروح المرح وسط الحرائق.

كما يرفض المؤلف الوقوع في مطب إضفاء رومانسية على الطبيعة القاسية والخطيرة أحيانًا للعمل في المصانع خلال فترة ما بعد الحرب. ويقتبس من شهادة طالب شاب كان يدرس السوسيولوجيا عن ظروف العمل في صناعة السيارات إبان الستينيات حين كان أقصى ما هو مسموح به ست دقائق لمغادرة خط الإنتاج إلى دورة المياه.

يروي الطالب أن رد الفعل عندما انهار أحد العمال وسقط يحتضر أمام رفاقه العمال كان مجيء مراقب العمل مسرعًا وهو يهتف "عودوا إلى خط الإنتاج"، فيما كان العامل ممددًا على الأرض أمام أنظار الجميع. ويقول الكاتب إنه ليس من المستغرب والحال هذه أن تشعر القوى العاملة بالسخط والاستياء.
&
لائحة اتهام طويلة
الكتاب موجّّّه إلى المتسائلين كيف خسرت بريطانيا عظمتها، وليس ما إذا كانت عظيمة أو حتى ما ينبغي أن يكون تعريف العظمة. ولا يبدو المؤلف مهتمًا بالرأي القائل إن صنع الأشياء في ورشة أنبل من خدمة الناس بهذه الأشياء أو إن تصدير السيارات أفضل من تصدير المعرفة والمهارات. بل هاجس الكاتب هو البحث عن المسؤول عمّا آلت إليه بريطانيا وإيجاد إجابات عن أسئلة من قبيل: لماذا لم يتمكن البلد الذي اخترع المضادات الحيوية والمحرك النفاث وحتى الكومبيوتر، من تحويل هذه التطورات إلى مكاسب تجارية؟، أي أخطاء استراتيجية وتقصيرات أدت إلى إفلات العظمة، كما يعرّفها المؤلف من بين أصابع البريطانيين؟.

لائحة الاتهام التي يعدها المؤلف طويلة، وهي محلية لا تعلق الأخطاء على شماعة العولمة، منها الابتعاد عن المهن الحرفية نحو المهن التجارية، وجمود الأساليب الإدارية، وإخفاقات الحكومة في مجال التخطيط ونزاعات العمل، وقدرة البريطانيين على قضاء عقود في التردد بشأن اتخاذ قرارات حول مشاريع البنية التحتية، مثل توسيع مطار هيثرو.
&
ليس كتاب مستقبل
يطلق الكاتب صرخة غضب على بيع صناعات بريطانيا وحتى عقاراتها إلى الأجنبي، الذي يدفع أعلى سعر، في حين أن دعاة بريكسيت يجب ألا يوجّهوا غضبهم نحو بروكسل، بل نحو من باع أرصدة بلدهم إلى الأجانب، سواء كانوا من الشرق الأوسط أو الصين أو ماليزيا أو الولايات المتحدة أو كندا والتعقيدات الشائكة للصناديق التحوطية العابرة للقوميات، على حد تعبير الكاتب.

لا يقدم الكاتب خريطة طريق لجعل بريطانيا عظمى مرة أخرى. وستصيب الخيبة من يريدون أن يعرفوا كيف يمكن أن تتطور الصناعة التحويلية في السنوات المقبلة تحت تهديد الأتمتة أو الوعد بعودة بعض فرص العمل إلى بريطانيا إذا تراجعت أفضلية الأيدي العاملة الرخيصة في الخارج لمصلحة المهارات في الداخل.

بحسب صحيفة "غارديان"، كتاب هاملتون باترسون كتاب ماضٍ لن يعود، وليس كتاب مستقبل ممكن. لكن سواء اتفق المرء أو لم يتفق مع تعريف الكاتب للعظمة المفقودة، فإنه على الأقل لا يرتكب خطأ السياسي في الوعد بإعادة شيء يعرف في قرارة نفسه أنه لن يعود.
&
&
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "غارديان". الأصل منشور على الرابط:
https://www.theguardian.com/books/2018/dec/24/what-we-have-lost-by-james-hamilton-paterson-the-dismantling-of-great-britain
&