صدرت للشاعرة العراقية فليحة حسن مجموعتها الشعرية الجديدة التي تحمل عنوان (وأنا اشرب الشاي في نيوجرسي) عن الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق ، وهي المجموعة الشعرية التاسعة لها فضلا عن كتاب نقدي ومجموعة للاطفال بالاضافة الى خمس مجموعات قصصية بالعربية والانكليزية وروايتين .

تقع المجموعة في 152 صفحة من القطع المتوسط ، وتزين الغلاف بلوحة للفنان علي التاجر ، وتضم بين غلافيها (49) نصا شعريا ،مع (سيرة ذاتية للشاعرة) تشير في نهايتها الى انها (تعيش وتعمل في نيوجرسي) والعنوان مأخوذ من احد نصوص المجموعة ، هذا النص الذي يحمل روحه على راحته وهو يجثو امام الاستذكار الهائل الذي تثيره الشاعرة وهي هناك في غربتها وبعيدة عن بلدتها واهلها ، في نيوجرسي وتشتعل افكارها بالاستذكار لتلك الايام البعيدة التي تشم منها رائحة الاسى المليئة بالحرب:

(مثل فتاة تكتب الشعر عن فتى لم تره من قبل ولو مرة واحدة

تجلس ايامي بكلّ هذه الخيبة

تعدُّ لحظاتها الهاربة دون ان تملَّ العدَّ

وأنا في يومي العادي هذا

أتذكرُ أمي

وكيف كانتْ

تتحججُ برائحة البصل

تذرف دموعها في المطبخ لغياب أبي

الذي تسلق حياته حرب على حرب)

وتمضي في رسم محنتها التي كانت عليها وهي ترتشف الشاي في المكان الذي اختارته لها غربتها،تنظر الى البعيد فيأتي اليها حاملا تلك الاحزان التي حلفتها لها الحرب ، فهنا بين هدوئها وقلق ما تستذكر ثمة كلمات تتقافز من اوجاع الشاعرة :

(أتذكرُ أخي

الذي كنّا نقرأ في رسائله التي لم تصلنا كاملة مرة واحدة:

– متى تفهم الحرب بأننا لا نصلح للموت!

اتذكرنا قبل أربعين عاماً

أطفالاً جداً

بملابس وقلوب ملونة

تكفينا تلويحه بالون كي نغرق في الضحك

أتذكرُ كلّ هذا

يومياً وأتدربُ على غربتي!)

واذ كانت هذا النص معبرا عما كان وما لا ينسى ،فان الشاعر تفتتح مجموعتها بنص عن (ستالين غراد) ، فهي هنا تستذكر ايضا المعاناة الانسانية التي عاشها الناس هناك ،تشترك معهم في الذكرى ، وهي هنا تؤكد ان الحرب واحدة والمشتركات الانسانية واحدة ايضا :

(اسمع اصوات دخان متروك من لحظة هم

ينحاز اليّ

يجتاز الرغبات الى كامن منها قسرا

تنعطف الروح اليه

تتشكل خدرا

فوق شفاه تلتهم الانفاس حياة

اخجل ..

لكن العين

في لحظات – لا ادري ماذا اسميها تلك اللحظات – تأخذ مني

مسارا اخر

صوب التلفاز

فأراها..

ترش الموت عليهم )

انه شعور واضح بالمأسي التي تسببها الحروب التي عانت منها الشاعرة وعاشت ايامها بالتفاصيل لذلك كانت ذاكرتها تتحرك وهي تشاهد الموت يهجم بضراوة على اناس تلك المدينة، فالحرب في هذه المجموعة لها مكانة خاصة ، فالشاعرة ما ان تحاول الافلات من حرب حتى تدخل في حرب ونظر التفاصيل في نفسها وابيها والاخرين وفي ما يرتديه الجنود وما يتعرضون له ، وتستذكر مأسيها بكثير من التنديد والاحتجاج ، حبث تحضر الحرب في العديد من النصوص ، الحرب او اشياء منها فتكون الصورة واضحة للتعبير عن ألم وعناء وموت : (معرض الحرب) ،(في ليالي الحرب) ، (اقدام ابي) ،(بالوعة اسمها الحرب) ،(جندي) ، (نحن الذين كبرنا بسرعة الحرب) ، (بل حمامتان)، (قبل ان تستشهد ميسون) و (عد لنكره القمر مثلما كنا).

وتنطلق الشاعرة فليحة في انثيالاتها عبر نصوصها التي تذهب فيها الى عزف ما يخالجها من الحالات الانسانية ابتداء من (يوسف) : (هو الهارب بقميصه وبقايا بنطاله على ظهر دراجة هوائية) ، و (قلم حمرة) حيث (النساء نضرات ،تدار اعناق الرجال كلما مر ظلهن تحت السعف) ، و (سيئة) اذ تقول ( كم هي سيئة هذه القصيدة،كلما حاولت ان اوقفها على سطر الواقع ، تطايرت مثل فستان (مارلين مونرو) وهو يرفرف في مخيلة الرجال) ، و (وزنجية) حيث تعترف (هكذا على غير توقع – يقول ابي- ولدت انت ،في منأى عن (اكسوم) خالا على (خد العذراء) ، ثم تمضي مع (احتفلوا بشدة معي) : (في عامي السبعين ،قررت انا المدعوة (فـ) ان احتفل اليوم بنفسي ،ولاني لست وحيدة، قلت سأدعو اصحابي الخلص، لحضور الحفل) ، وتمضي قدما لتقول (اقول : بعيدا عن كل الافكار اللابد تنمو ،في كل دروب الرأس،بو لم اجدك ،هل كنت سأنجو ؟) ،ثم تترنم بـ (اتذكر تلك الساعة التي اهديتني اياها ملفوفة بقصيدة، لما تزل مربوطة الى معناي/كلما مرت ثانية على عقاربها / قفز حرف واستحوذ على نبضة من نبضات قلبي) ، انا في قصيدتها الطويلة (احتراقات) فهي تعلن عن احتراقها اولا ((يا هذا الجالس قبالتي،على مرمى حب،هل لي ان استعير عينيك،لمدة قصيدة) ثم تأتي احتراقات كثيرة ومن الممكن ان يشم القاريء رائحة العذابات والعناءات التي تتعالى من الكلمات الصادرة من وجع قلب الشاعرة (كم تعيس ان، يشتهينا الحب، ولا نجد عمرا شرعيا ،لنصارح به بعضنا ،عاشقين..) الشاعرة في القصيدة تغمس لغتها الفصحى باللهجة العامية في محاولة منها لاطفاء ما يحترق منها .