تسيطر نزعة رومانسية على مجموعة عمار علي حسن القصصية الأخيرة "أخت روحي" الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، حتى وهي تفتش في ركام واقع بائس، وفي نفوس أشخاص مقهورين، جعلتهم قسوة الحياة أكثر هشاشة، لكنها لم تأت على كثير من المشاعر الإنسانية التي تسري في نفوسهم وقلوبهم، وكذلك في صور وخيالات تأخذ بعض القصص إلى عوالم "الواقعية السحرية" الرحيبة.
وفي أكثر من مائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط، تطرج هذه المجموعة لنا أربعة عشر قصة تدور أحداثها في مكانين مختلفين هما: الريف والمدينة، واللذين طالما دارت فيهما قصص وروايات الكاتب السابقة، وإن كان أبطال القصص ينتمون عموما إلى صنف واحد من البشر، بغض النظر عن اختلاف البيئة الاجتماعية، وهم أولئك الذين يحفرون تحت جدار سميك كي يحسنوا شروط الحياة.
تمزج المجموعة بين الواقع البائس والخيال الجامح، لتصنع عالما يتحرك فيه مقهورون وخائفون، وأيضا حالمون ومغامرون، لتعزز بهذا المسار الذي مضت فيه روايات وقصص الكاتب في السنوات الأخيرة وهو "الواقعية السحرية" أو "الواقعية الروحانية" كما يطلق عليها البعض، أو حتى "الواقعية الفجة" التي تجسدت بشكل أكثر في مجموعته الأولى "عرب العطيات" وكذلك روايته "باب رزق" التي تدور أحداثها في حي عشوائي بالقاهرة.
تتفاوت قصص المجموعة من تلك المكثفة، التي تتهادى في مشهد أو موقف أو حالة أو لحظة أو لقطة أو دفقة واحدة، وهذه المطولة التي تضغط في سطورها ما يمكن إن طال أن يشكل رواية كاملة، لكن الكاتب ضغطها ممتثلا في الوقت نفسه لخصائص فن القصة القصيرة.
وجاءت عناوين القصص على النحو التالي: "الجميزة" و"أخت روحي" و"مواء البنات" و"صورتها في الماء" و"إشارات النهاية" و"مقهى علاء الدين" و"سباق خاسر" و"مكان آخر" و"جمرة تخرج من الماء" و"ليل وجوع" و"ضحكنا في جنازته" و"شيء في البحر" و"موظف عام" و"الممنوع".
من أجواء القصة التي اتخذتها المجموعة عنوانا لها: "ماتت أختي وداد، وجدوا جثتها متعفنة في شقتنا القديمة البسيطة، التي لا تزورها الشمس، ويلثم الهواء نوافذها الضيقة من بعيد، ثم يهرب، كما هرب الناس من حول الجثة، واضعين أكفهم على أنوفهم. أنا لم أهرب، ولم أضع يدي على أنفي، بل اقتربت منها، وملت عليها في هدوء، وسحبت شهيقًا طويلًا، وشممت أطيب رائحة. رأيتها، وهي ساكنة في سلام، ترفع يديها، مرفرفة كيمامة شبعى، تهدل في فرح، محلقة بعيدًا في جوف سماء صافية".
ويقول عمار "في وقت كان فيه كثيرون يتحدثون عن زمن الرواية لم أترك كتابة القصة القصيرة، بل كتبت القصة القصيرة جدا والأقصوصة، جنبا إلى جنب مع ما أصدرته من روايات، فالقصة كانت هي أول سرد أبدعته، وفيها كان التجريب والتعلم والتجويد، وجاء الانتقال الطبيعي من كتابة الشعر، مثلما كنت أفعل أيام الجامعة، إلى كتابة الراوية، ومع هذا لا تزال
للقصة مكانتها عندي، كما هي حال كثيرين، وفي زمن الإيجاز السريع الذي صنعته مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت، ستعود القصة للانتعاش من جديد".
يشار إلى أن "أخت روحي" هي المجموعة القصصية السابعة لعمار علي حسن، إلى جانب عشر روايات، وثلاثة كتب في النقد الأدبي، وعشرون كتابا في الاجتماع السياسي والتصوف، وسيرة ذاتية سردية، وتعد حول رواياته وقصصه أربعة عشر أطروحة جامعية داخل مصر وخارجها، ونال عن أعماله الأدبية وفي العلوم الإنسانية عددا من الجوائز منها جائزة الدولة للتفوق، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة اتحاد كتاب مصر في الرواية، وجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي في القصة القصيرة وغيرها.