يُقصد بـ"الميثولوجيا" العلم المختصّ بدراسة الأساطير المتصلة بـ"الآلهة" و"أنصاف الآلهة" و"الأبطال الخرافيين". وقد ارتبطت كل أسطورة بشعب محدَّد؛ على غرار أسطورة الإله "ميترا" في الحضارة الفارسية، أو أسطورة كبير الآلهة "مردوخ" في العهد البابلي القديم، وبالتالي كانت لكل حضارة سابقة أسطورتها الخاصة بها والمميّزة لها.
إلى ذلك تُعتبر "الآلهة" جزءاً من الدراما الأرواحية، وذلك لأن القدماء كانوا يتعاملون مع أحلامهم وهلوساتهم، وفي بعض الحالات مع فصامهم الجماعي، تعاملهم مع واقعهم المعاش الموضوعي. وذلك بسبب غياب القدرة على الفصل بين ما هو يقيني وبين ما هو متخيَّل. ولذلك فقد دوَّنوا وتناقلوا إخيولاتهم بالجدية ذاتها التي تناولوا بها أحداثهم اليومية. وقد نظر علم التحليل النفسي إلى الأسطورة بوصفها جزءاً من نتاج المخيلة البشرية، واعتبرها مكوّناً أساسياً من مكوّنات العالم اللاشعوري. فالأسطورة هي الوجه الأول لعملة اللاشعور، بينما يتقاسم كل من الحلم والعصاب وجهها الثاني، وذلك من حيث غناها بالرمزية وعدم اكتراثها بالزمان والمكان المحدّدين للواقعة الحاصلة، والتداخل ما بين الذي حصل والذي تم تخيُّله ولم يحصل... وغير ذلك من القواسم
الأخرى المشتركة والتي تتموضع جميعها ضمن بوتقة لاشعورية واحدة. وعلى الرغم من جموح الأسطورة وإغراقها في الخيال إلا أنها تبقى أمينة لشيء من التصوُّر العقلاني! فعلى سبيل المثال، تبدأ جميع تصوُّرات "بدء التكوين" في الميثولوجيا الأولى (السومرية والبابلية والكنعانية وما جاء بعدها) بمشهدٍ يُشكّل أرضيةً مشتركةً لجميع تصوّرات بداية الكون، ألا وهو الماء والظلام ولا شيء آخر! وهذا المشهد البدائي فيه شيء من محاكاة بدء التكوين البيولوجي لكل إنسان. فالمسطح المائي هو ماء الأمومة الذي يسبح فيه الجنين. والعماء والظلمة هما موقف الجنين وشعوره داخل الرحم.
وبإيجاز شديد، نجد بأن القدماء، أو العقل البشري الذي اخترع الأسطورة، قد تخيَّل بداية خلق الكون بالكيفية ذاتها التي توقَّعها لمسألة خلقه هو، وقام بمواءمة واقعه داخل الرحم في بداية تكوينه بواقع الكون في بداية تشكيله.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.