اعتقد كارل يونغ بوجود جذور رمزيّة تتفرَّع عنها جميع مكوّنات المخيّلة الإنسانية اللاواعية على مرّ العصور، تحت مُسمَّى "الأنماط البدئية". حيث إنَّ كلَّ فكرة أو تصوُّر، مهما ابتعدا في التاريخ أو اقتربا، ومهما التزما معايير المنطق العلمي أو تحلَّلا من هذا الالتزام، هما في النهاية نتاج العقل البشري الجمعي (الرمزي). فنحن عندما نزور متحف اللاشعور، إذا صحَّ التعبير، في أحلامنا وهلوساتنا وتهيؤاتنا، نلحظ كيف أنَّ مكوّناته وعناصره ورموزه، على الرغم من اختلافها، قد ترادفت معاً وانحدرت جميعها عن الأنماط البدئية، مثل نمط الشمس أو نمط العبور، والتي تفرَّع عنها الكثير من الرموز.

لذلك يمكننا القول بأنَّ أية حكاية، حتى ولو كانت من نسج الخيال، يمكن لها أن تكون مادةً أو عيّنة قابلة للفحص والمقارنة تحت مجهر علم النفس التحليلي (اليونغيّ) بغية التعرُّف على الرمزية التي قادت إلى صياغتها وابتكارها.

فقصص الجدَّات والحكايا الليلية على الرغم من إغراقها في الخرافة وظهورها بمظهرها الخادع البسيط، إلَّا أنها أحد المنتوجات الثمينة للخيال البشري لغناها بالرمزية، وأحياناً بقضايا شغلت العلم يوماً كرمزية السحر المحاكاتي على سبيل المثال. ففي إحدى القصص الخرافية نقرأ بأنه "عندما شاهد الإوزُّ والبطُّ الأميرةَ وقد خلعت ثيابها وبدأت تسبح في النهر، ولشدَّة جمالها ازدادت خصوبة هذه الطيور وصارت تتكاثر بشكل

أكبر! الأمر الذي أدهش المزارع الذي امتلأت سلاله بالبيض". فهذه الفكرة لها ما يقابلها في تقصّيات العلم، وبالذات ما أسماه العالم النفسي فريزر بالسحر التلقيحي، أي الطقس الدينيّ الذي انتهجه القدماء كمحاولات لتحريض أمرٍ ما، فوق إرادتهم، على الحصول. وهناك أيضاً القصص العالمية - التي كرَّست دور الذكر كمُخلّص للأنثى - وذلك من خلال إبرازها لرمزية البطل الشمسيّ المنقذ، والذي يظهر، من خلالها، على هيئة الأمير الذي يمتطي حصاناً أبيضَ، على غرار الأمير في قصة سندريلا. حيث يأتي الأمير لينتشل الفتاة البائسة من حياة الشقاء والبؤس ويحملها معه إلى قصره؛ موطن السعادة الأبديّة. وهذه الفكرة ما تزال إلى اليوم حاضرةً في وعي كلّ مراهقة تحلم بـ"فارس الأحلام" القادم على حصانه الأبيض (أي على سفينة العبور إلى عالم السعادة السرمديّ). - لكن من أي شيءٍ ينقذ الأميرُ الفتاةَ في كلّ حكاية؟ - من كبتها لمشاعرها طبعاً. فالحصان يرمز هنا إلى الرغبة الجامحة وإلى إطلاق العنان للممارسة الجنسيّة. وعملية النقل تحمل رمزية الانتقال من عالم الكبت للرغبة وانعدام العاطفة إلى عالم الشهوة والإشباع اللامنتهي. وهنا محاولة رمزية لاسترجاع شيء من عالم اللذَّة الذي خسره الطفل سابقاً أو قايضه لمصلحة عالم الواقع. ولاكتمال الشرح لا يجب أن يفوتنا القول بأنَّ كلَّ الشخوص الشمسيَّة لها الدور ذاته، وتأتي على شكل الحامي والمنقذ ومصدر الدفء والإخصاب.

&باحث سوري في علم النفس التحليلي.