حين أقدم هذا الشاعر الموهوب بمثل هذا الشعر &وهو لايزال في عشرينيات العمر، فذاك يعني أن هوية الشعر &لا تكمن في تصنيفاته الشكلانية ؛ إنما الشعر دائماً " بين الكلمات" ومتى ما كان بانَ ..&
إنه ابن أختي الشاعر أسامة حامد سراي ، الذي &أرى له مستقبلاً شعرياً كبيراً.
&هذه قصيدة رثاء في مقام حزن، حيث &فقد الشاعر أخاه الأصغر" أيوب حامد" رحمه الله، الذي توفي بالقاهرة منذ أسابيع ولما يبلغ العشرين من العمر.&
سائلين لأيوب الرحمة والمغفرة .&(محمد جميل احمد)& &
&

أرومُ حبيباً صارَ مسكنُهُ القبْرُ
وصارَ سواءٌ عندَهُ الليلُ والظُّهْرُ
ويا ليتَ أن القبر كان بقربنا
لأقصده لما يشِحَّ بيَ الصبرُ
لأمسح فوق التُّرْبِ بالكفِّ علَّنِي
أصادفُ كفَّاً كان جلَّلها الطهرُ
لتحضنَ ذاك القبرَ كل جوارِحِي؛
فبي حوجةٌ للدفْءِ، أبردنِي الهجرُ!
وإن بأضلاعِي لأيوبَ رجفةٌ
يكاد لَعمرِي أن يُشقَّ بها الصدرُ!
أيَا قبْرَه:ُ يهنيكَ أكرمُ نازلٍ،
يضوع به من طيب معشرِهِ نشرُ
أيَا قبْرَهُ: وافاكَ في دارِ غربةٍ
ويرجعُ قالو: صوبَ تربتهِ البِذرُ

أيَا قبْرَهُ: ما ذا صنعتَ بجسمهِ؟
أأخلقتهُ؟ أنَّى؟ وهل يَخْلَقُ التِّبْرُ ؟
أيَا قبْرَه:ُ يا ليتني كنتُ قبرَهُ..
لأحوي ثرى أيوبَ ما بقِيَ الدهرُ
َأيَا قبْرَهُ: أقويتَ وازداد شوقُنَا،
ومن ألمي أن الوصولَ له عَسْرُ
وجُلُّ عزائي أن يقاس مقامُهُ؛
إلى حيث مولدهِ فيزدهر الأجرُ
بفقدِكَ يا أيوبُ أصبحتُ مجهداً،
وضَجَّتْ بِيَ الآلامُ وانقصمَ الظهرُ!
وكنتَ نصيري في الملماتِ كُلِّها
فكيف مقالي وقد دفنَ النصرُ؟!
وكنتَ كأيدٍ لو أردتُ كثيرة
وهذي يديَّ الآن قد نالها البترُ!
وكنتَ وِجائِي ما عرَتنِي نوائبٌ،
فها أنا عريانٌ، و يجلدُنِي الوَتْرُ!
وكنتَ كنورٍ للعيونِ أرى بِهِ
ودونكَ أعماني الظلامُ فما الأمرُ؟!
تعالَ فجلِّ الوهمَ أيقِظْ نائماً
تكرَّرَ في كابوسهِ الكتمُ والنحرُ!
تعالَ فإني لستُ أقوَى بَقِيَّةً،
تعالَ فإني كاد يسحقُنِي الضُرُّ
أتسمعُنِي أيوبُ؟ أم أنه غدَا
بأذنيكَ عن دار الشقاوةِ ذي وقرُ؟
أتكفيكَ يا أيوب عشرون درةً
تُشِعُّ بريقاً فوق ما لمَعَ الدُرُّ
بعشرينَ قد فقتَ الأنام محاسناً،
وحزت بها الأمجاد،َ واكتملَ البدرُ
ولم يرضَ بعد الكملِ نقصاً لقدرِهِ؛
فقال: وداعاً إنه نالنِي الظفرُ
فقالتْ له الأمجاد:ُ أنى تفوتُنَا
فقال لها: عذرا لقد نفِدَ العمْرُ
وكان كنهرٍ .. وانتهى لمصبِّهِ؛
ولا زالَ يجري... إن رافدَهُ الذِّكرُ
وكان كنجمٍ قد هوى عن محلِّهِ؛
ولا زالَ منه الضوءُ يدركه البصْرُ
أأيوبُ أعياني الفراقُ وهدَّنِي،
وعينيَ هذي سوف يفقعُهَا السَّهْرُ
( إذا الليلُ أضواني بسطتُ يد الهوى،
وأذللتُ دمعا من خلائقه الكبرُ)
وناديتُ رب الكون دمعيَ سائلٌ
بفضلكَ يا رباه يلتئِمُ الكسرُ
إليك أيا رباه أسلمتُ أمرُهُ
إذا غابَ عن عينِي فأنتَ له ذخرُ
وأرحمُ من أمي وأرحمُ من أبي
به أنت يا مولايَ، منا لكَ الشكرُ
فألبسْهُ يا ربي ثيابَ كرامةٍ
فجودكَ موفور وليس له حصرُ
ويَا معشرَ التَّالِينَ حُزنِي رجوتكُمْ
لأيوبَ أنْ تَدعُوا، ولا نالَكُمْ خُسْرُ
ومَا قَدْ كتبتُ الحزنَ عنديَ كاملاً،
ولكنهُ دلوٌ...وَقَدْ فاضَتِ البئرُ...