فتاة في العشرين من عمرها، بعد أيام من زواجها، صارت شاحبة الوجه ودائمة الشعور بالغثيان والرغبة بالتقيُّؤ. زياراتها لعيادة الطبيب لم تنجح بإيجاد أي سبب عضوي واضح يُبرّر ما يحدث معها. ولم تمضِ فترة قصيرة حتى صارت كارهةً لزواجها، وبالذات للجزء الجنسي منه!
نحن أمام حالة يمكن إدراجها في قاموس الفتور الجنسي لدى المرأة. وفي التحليل النفسي، فهذه الفتاة تتقيأ (رمزياً) العضو الذكري لزوجها. يرى الكثير من الباحثين النفسيين بأنه لا توجد على الإطلاق امرأة واحدة باردة جنسياً، بل ثمة امرأة عاجزة عن تحقيق التفاهم الجنسي مع شريكها فوق فراش الزوجية. فإذا ما وضعنا موضوع الهرمونات والأمراض المشتركة في هذه المشكلة جانباً، وبحثنا في أسباب هذا الأمر من ناحية سيكولوجية بحتة، سنرى سببَيْن نفسيَّيْن واضحَيْن لهذه المشكلة:
الأوَّل هو خوف المرأة من الجنس، والثاني هو احتقارها له ولوظيفتها الطبيعية في التناسل. إنَّ الخائفة من الجنس لها في أغلب الحالات تجربة سيئة خاضتها في ليلتها الأولى، وخاصة الكيفية التي تمَّت فيها عملية فضّ بكارتها؛ الأمر الذي يبدو مفصليّاً في تعبيد دروب العلاقة الزوجية في ما بعد. فعملية "قص شريط" البداية في الدخول إلى القفص العاطفي بين الشريكين هي عملية في غاية الحساسية والأهمية. فإذا حصل وأظهر الشريك سلوكاً عنيفاً، أو رغبة مستعجلة، وأنجز الأمر بشكل همجي، فسوف يؤدي سلوكه هذا، في أغلب الحالات، إلى زوجة باردة بل ورافضة للجنس، تراها طيلة الوقت تخلق المبرّرات لمنع خلوتها مع زوجها، ومنعه من الاقتراب منها. "العمل الجنسي بين الزوجين يجب أن يحصل فقط بهدف إنجاب الأطفال! فالمرأة عليها أن تكون عفيفة حتى مع زوجها"! هذا القول على لسان سيّدة في الخامسة والأربعين من عمرها، عاشت ليلة "دُخلة" كارثية. أما الحالة الثانية فهي الأنثى الرافضة، أساساً، لوظيفتها الطبيعية بقرارٍ اتَّخذته مسبقاً قبل خوض التجربة. لذلك تجدها تسخر من شكل المرأة الحامل! بل وتخجل في قرارة نفسها من كونها
أنثى! هذه المرأة حسَّاسة للغاية تجاه العمل الجنسي، بعدما كوَّنت صورةً خاطئةً حول مفهوم الجنس، حيث تشعر بأن ممارستها للجنس هو اغتصاب لشخصيتها كأنثى! والسبب الأساسي في رسم هذه الصورة المشوَّهة لها ولوظيفتها الجنسية يعود في معظمه إلى ثقافة المجتمع المختصرة والمختزلة بلغته. حيث تترعرع الفتيات في مجتمع يطحن الشخصية المؤنثة بشتَّى الوسائل، بل ويحتقر أية ميزة مرتبطة بالأنثى. وليس أدلّ على ذلك من استخدام مصطلحات تشير إلى الفعل الجنسي بهدف الإهانة والشتم وإلحاق الأذى اللفظي بالآخر.
وبينما يتربَّع الذكر على عرش "أسمائه الحسنى" وكأنه الإله مردوخ في الميثولوجيا البابلية، يستقرّ في رأس الأثنى وضعها "المذلّ": الكائن المثقوب، المخصيّ، المفعول به... إلخ. وبالتالي فإنَّ الأنثى مهما حاولت تلطيف الفكرة ستظلّ متأثرةً بالجو العام.
ناهيك عن ازدواجية المزايا بين الجنسين. فعلى سبيل المثال، إنَّ البخل الذي يُعدُّ أمراً مخزياً للرجل هو ميزةٌ يجدر بالمرأة أن تتحلَّى بها! والأمثلة كثيرة ولا تُحصى. وفي كنف بيئة مشوَّهة كهذه البيئة، ترسم الأنثى الصورة الخاطئة للعملية الجنسية وتتبنَّاها انفعالياً وسلوكياً.

باحث سوري في علم النفس التحليلي.