على شبكات التّواصل الاجتماعيّ، وفي التّصريحات التي يدلون بها للصحف المحلّية والعالميّة، يطلق الكتّاب الأتراك صيحات فزع، مندّدين بالسّياسة العنيفة التي وينتهجها أردوغان ضدّ المناهضين له، ولحزبه، حزب العدالة والتّنمية. والكاتب أحمد أوميت صاحب رواية "اغتيال السّلطان" التي احتلت الصّدارة في مبيعات الكتب في تركيا، أحد هؤلاء. وعلى صفحته على شبكة الأنترنت، كتب يقول:”سيدي رئيس الوزراء...أتوسّل إليكم. ..تجنّبوا خطبكم الغاضبة. توقّفوا عن ذلك حالاّ!".
ولا يخفي أحمد أوميت إعجابه الشّديد بالشّباب الذي قاد حركة "ساحة التّقسيم"، وساهم فيها بشكل فعّال متحدّيا القمع، وسياسة التّرهيب. وكان للراحل الروائيّ المعروف يشار كمال، صاحب رائعة "محمد النّحيف"نفس &موقف أحمد أوميت، ورغم أنه كان آنذاك على مشارف سنّ التّسعين، فإنه انتقل إلى ساحة التّقسيم للتّعبير عن مساندته المطلقة للحركة المناهضة لأردوغان. وكذا فعل الكاتب أورهان باموق الحائز على جائزة نوبل للآداب، الذي ندّد بما وصفه ب"سياسة التّسلّط".
وقبل ثلاث سنوات، حكم على الكاتب أحمد ألطان البالغ الآن من العمر 69سنة، بالسجن المؤبد. وقبل ذلك كان مساندا للإسلاميين. وفي الجريدة التي أصدرها عام 2007، طالب بضرورة "إعادة العسكر إلى الثّكنات"، محذّرا من انقلابات عسكريّة جديدة تغرق تركيا مجدّدا في الإستبداد، والطّغيان. وذات مرة صرّح قائلا :”لقد عانت بلادي من التّسلّط العسكريّ طيلة ثمانين عاما...والجريدة التي أصدرتها ساهمت بشكل كبير غي التّمهيد للديمقراطيّة، وفتحت الطريق لأردوغان لكي يصل إلى السّلطة". غير أن العلاقة بين حزب "العدالة والتّنمية " وأحمد ألطان سرعان ما فسدت. وبسبب انتقاداته اللاّذعة لسياسة أردوغان مَثَل أمام القضاء مرتين. وقد صرح قائلا:” في عام 2011، انتقدتّ قرار أردوغان القاضي بتدمير تمثال "صرح الصداقة " الموجود على الحدود مع أرمينيا، وشبّهت أردوغان بالجنرالات الذين استولوا على السلطة في 28 فبراير –شباط".وأضاف &أحمد ألطان قائلا :”لو يقرأ من يحكمون تركيا راهنا مسرحيّات شكسبير، خصوصا ريتشارد الثالث، لما حدث ما حدث".
وبعد الانقلاب المزعوم، نزل العقاب قاسيا جدا على أحمد ألطان. ومن داخل الزنزانة &الضيقة التي حُشر فيها مع سجينين آخرين، &تمكن من ابلاغ رسالة إلى وسائل الاعلام العالمية، وفيها يقدم تفاصيل مثيرة ومؤلمة عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها راهنا :"في السجن، يكون الصيف هو الفصل الأشد قسوة. ونحن ليس باستطاعتنا أن نفعل أيّ شيء ضد الحرارة". وفي رسالته، يقول أحمد ألطان إنه على يقين بأنه سيموت داخل السجن لأن أردوغان يحكم تركيا بأساليب القرون الوسطى. وهو يضيف قائلا بانه يشعر داخل الزنزانة بأنه يقبع في " أعماق بحيرة راكدة وساكنة". &وذات مرة استيقظ فزعا لأن بريق القمر الشاحب اخترق كوّة الزنزانة ليذكره كم أن الحياة جميلة في الخارج.
ويشير أحمد ألطان إلى أن حراس السجن افتكوا منه الوسادة التي كان يسند إليها ظهره، مجبرين إياه على الجلوس طوال الوقت على كرسي من البلاستيك تنكيلا به. &وبسبب ذلك تضاعفت أوجاع ظهره ليجد نفسه عاجزا أحيانا عن الحركة. مع ذلك تمكن من أن يكتب قصة عن سيدة "لها نظرة غي عادية حول الحياة". &وقد أنسته شخصية هذه السيدة التي ابتكرها خياله اوجاع السجن :" أن يكون الانسان داخل السجن، يعني أن الوقت الذي كان يمتله، أصبح محروما منه. &لكن عندما اكتب، فإنني لا أسمح لهم بسرقة وقتي وصادرته. &بل أنني أشعر أنني أتحكم في الزمن. &وهذا الشعور يمنحني القوة والقدرة على الصمود". لذلك هو يعتقد أن الأدب هو سلاحه ضد أعدائه ومعذبيه، ويهبه صلابة مدهشة وعجيبة. ولمواجهة الأوضاع الرهيبة التي يعيشها في كل لحظة داخل الزنزانة الضيقة، يلجأ أحمد ألطان إلى الخيال، &ويتصور نفسه أحيانا أنه في فندق فاخر في باريس، أو على مركب في نهر، أو أنه يتجول في غابات الأماوزن، أو في حدائق جنة العريف بغرناطة...