مطلع العام الحالي، بقرار من السلطات الفرنسية وعلى رأسها الرئيس ماكرون، تمّ اجراء بحث استقصائي لاختيار أفضل من يُجسّد العبقرية الفرنسية من بين كتابها، وشعرائها، ومفكريها. والواضح أن الهدف من هذا البحث هو إعادة الاشراقة لأمجاد فرنسا الأدبية والفكرية تمهيدا للمعرض العالمي الذي سيقام في باريس عام 2020. أما الهدف الآخر المُتَسَتّرُ عنه فهو الردّ على أولئك الذين شرعوا يشيعون انطلاقا من نهاية القرن الماضي، ومطلع الألفية الجديدة، أن فرنسا التي كانت لغتها هي اللغة المخيرة في جلّ العواصم الأوروبية، وفي قصور قياصرة موسكو، وأمراء فيينا، فقدت &اشعاعها الثقافي والفكري والابداعي لتصبح بلدا مُسَطحا، وفقيرا على المستويات المذكورة، &وليس فيه ما يثير أو يغري، أو يفتن مثلما كان حالها في عصر ديكارت، وموليير، ، وفلاسفة الأنوار، وبالزاك، وستاندال، وبودلير، أو في القرن العشرين مع بروست، ومالرو، وسيلين، وسارتر، وكامو، وغيرهم.

وجاءت نتيجة البحث الاستقصائي غير متوقعة من قبل الكثيرين، بل صادمة لهم. فقد كان ستاندال &صاحب الروائع مثل "الأحمر والأسود"، و"راهبة دي بارم"، هو الأفضل، ويأتي في الترتيب بعده، وبفارق كبير، &فيكتور هوغو الملقب ب"شاعر فرنسا الأكبر". ولم يرق هذا &الاختيار &لريجيس دوبريه، المفكر الذي كان يساريا متطرفا ، ومناصرا لتشي غيفارا وفيدال كاسترو في ستينات القرن الماضي، ليصبح فيما بعد اشتراكيا في فترة الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، ويمينيا معتدلا &بعد أن اجتاز سن السبعين. لذلك بادر بإصدار كتاب عن دار &"غاليمار" المرموقة حمل عنوان "العبقرية الفرنسية"، ساعيا من خلاله إلى اثبات &أن فيكتور هوغو هو &الأجدر بتجسيد &هذه العبقرية إذ أنه لم يقتصر على كتابة أشعار رائعة تعكس روح الشعر في مفهومه الإنساني العميق، بل أبدع روائع نثرية &مثل رواية &البؤساء " التي &انتصر فيها للفقراء، &والمضطهدين، والحالمين بالحرية، وبعالم أفضل فيه تنتفي مظاهر الاستعباد والظلم، أو مثل "أحدب نوتر دام" التي &يدين فيها مجتمعا يذل ويهين المصابين بعاهات جسدية، لكنهم يمتلكون أرواحا نبيلة وقلوبا نقية، وقادرين بالتالي على أن عشاقا ومحبين للجمال في أروع معانيه وأبهج صوره.

ويعتقد ريجيس دوبريه &هوغو الذي يحب الفرنسيون أن ينطقوا بلقبه من دون ذكر اسمه الشخصي الذي هو فيكتور مثلما يفعلون مع الجنرال ديغول، هو "الروائي الوطني بامتياز. وفي جميع أعماله سواء كانت شعرية أم نثرية، كان يحب أن يؤكد دائما أن لباريس "رسالة كونية". لذا فإن إعادة الاعتبار اليه تكون بمثابة إعادة الاعتبار لمجد فرنسا الذي يرغب "الأقزام"، و"صغار العقول والنفوس" طمسه، والدوس عليه...لذلك سوف يظل هوغو دائما وأبدا "كنزا وطنيا" به يستعين الفرنسيون لتجديد الأمل في حياة أفضل، وفي مستقبل مشرق لهم ولبلادهم. &

ولم يكن فيكتور هوغو فقط شاعرا وكاتبا عظيما، بل كان أيضا مناضلا من أجل الحرية، والعدالة ، والمساواة بين البشر. وبسبب ذلك، أجبر على العيش في المنفى على مدى ثمانية عشر عاما. &وفي منفاه كتب قصيدة فيها يقول :

لديّ جناحان. وأنا أطمح إلى الأعالي

وطيراني مؤكّد.

لديّ جناحان للعاصفة وللسماء

وقد صعدتّ المدارج بلا عدد.

أريد أن أعرف

متى يصبح العالم حالكا مثل المساء!

أنتم تعرفون جيّدا أن الروح تواجه

هذه الدرجة السوداء

وأنه، مهما كان علوّها، فإنّي صاعدها!

&

وفي مؤتمر السلام الذي انتظم في مدينة لوزان السويسريّة وذلك يوم 18 سبتمبر -أيلول 1869 ، دعا فيكتورهوغو إلى ضرورة قيام اتحاد الدول الأوروبية. وهو ما سيتحقّق في النصف الثاني من القرن العشرين. كما دافع عن آرائه وأطروحاته بشأن المسائل والقضايا الإجتماعية، والسياسيّة، والتربويّة. وعقب سقوط نظام نابليون الثالث إثر الحرب التي شنّتها ألمانيا على فرنسا عام 1870، عاد فيكتور هوغو إلى باريس واضعا حدّا لسنوات المنفى المديدة. وعند وفاته في 22 مايو-أيّار 1885 عقب حياة حافلة بالإبداع، والأحداث الكبيرة، والمواقف الشجاعة ، شيّعته إلى "البانطيون"،مقبرة العظماء، جماهير غفيرة تجاوز عددها المليون نسمة. وقد علّق ارنست رينان على ذلك قائلا :”لقد خلق هوغو بقرار خاصّ ليكون أبديّا". وأما اندريه شينييه فقد كتب يقول :”أنت (يقصد هوغو) نسر ما هو غير متوقّع، وطائر كلّ السماوات، ونشيد الليل"...