ليست هناك إلا دهشة مما يحدث في العالم العربي، وما يمر في ذهن الفارس الذي يتردد متجولا في الضفة اليمنى ثم بغتة وحين يحل زمنه &ينتقل الى الضفة الأخرى. وأكاد أصاب بلوثة لو لم يكن هناك تفسير لهذا السلوك والموقف. أنك تعامل ثورة بلادك على أنها ثورة من أجل الحرية، وتقف من الثورات الأخرى موقف المشكك الزاعم أنها مؤامرة امبريالية وراءها امريكا واسرائيل.&
كل الفرح لما يحدث في لبنان وفي العراق وأن لا تواجها الوحشية التي واجهتها الثورة السورية، إنها الثورة اليتيمة التي وقفت عارية أمام تحدي العالم أجمع، جاءت السهام نحوها من كل صوب، من الجيوش ومن المتأسلمين، من الاسلام المسلح الذي جعل من الدين الإسلامي ممسحة أحذية، جاءت السهام من المثقفين العرب، من الماركسيين واحزاب القومية والوحدة والاشتراكية، جاءت من كل ناحية من الذين لم يملكوا الضمير الانساني ولا القلب، من مكان حيواني نهم للمصلحة والسلطة.&
في الفيس بوك كنت أمر على مثقفين لبنانيين وعراقيين ( مسيحين ومسلمين) يرفعون شعارات وأشعار للسيد الحسين ويقفون موقف المؤازر للنظام السوري ضد شعبه. واليوم هؤلاء أنفسهم ينتصرون لثورتهم ويرفعون شعارات الثورة (الغضب الساطع آت) حتى أن الشاعر العراقي سعدي يوسف كان يقول لي عدة مرات عن الثورة السورية، إنها مؤامرة وراءها امريكا واسرائيل يا حسين! اليوم يكتب قصيدة عن ثورة العراق التي ليست وراءها مؤامرة بل هي ثورة صافية من أجل النهضة والتحرر، كتب قصيدة متفائلون:
&متفائلون
لا تَقُلْ : ليس من أملٍ ...
كيف تذكرُ هذا ، وأنتَ الأملْ ؟
أنت في الساحةِ
الآنَ صِرنا بأعلى الجبلْ ؛

الى آخر هذه القصيدة الجميلة. لكن طريق الثورة الحقيقي هو طريق طويل خاصة في مجتمعاتنا وإن نجحت أي ثورة في أولى خطاها فإن ثمة أمرا مريبا يجب الانتباه إليه. إن ما يحدث في العراق وفي لبنان ليس سوى "هتاف حناجر كما يقول سعدي من دون أن يدري - انتفاضة" وليس الذي يجري الآن هو من أجل الحرية ولا المدنية بل من أجل المعيشة. اعطهم الخبز وسيعودوا الى بيوتهم. اظهر لهم القمر وسيعودوا مع طناجرهم الى بيوتهم.&
الثورة الحقيقية لا تحتمل لعب الأوجه، لا تحتمل المصالح الذاتية. الثورة هي التضحية وهي قبل كل شيء بناء صادق ورجولي ونبيل وهذا مالم يتوفر في أي عمل يبغيه من وقف ضد الثورة السورية. كانوا البارحة يلطمون ويرفعون أصابع تقلع أعين الثورة السورية، وتزدري اللاجئين السوريين واليوم يثورون؟! &
لقد ثار الشعب السوري من أجل الحرية والمدنية وليس من اجل المعيشة وإن نجح ، وسينجح في المستقبل، فإنه سينقل هذا النجاح الحقيقي الى البلدان العربية الشقيقة، كعادته منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن، هو نبراس العرب.&
&هؤلاء العرب وقد أصبحوا اليوم مجرد كلمة يسخر منها البعض، والعروبة بشكل خاص باتت مهلهلة، مريضة يبدو أنه لا أمل منها والسبب يعود الى العربي نفسه، فهو المريض والمهلهل. مرضه قابع في ذاته، وفي أعماقه يقيم رجل آخر – شيطان، ممالق. وهكذا فأنت لن تأتمنه لأنه سيقول في وجهك شيئا وحين ينفرد بنفسه يظهر رجل الداخل كي يوسوس له بشيء آخر مختلف. هو انسان عصابات وليس انسان صدق وكرامة. هذا الانسان الذي تتكون منه الشعوب العربية يجب أن يتغير، يجب أن ينقلب انقلابة تحول، ولن تكون في يوم وليلة، لن تكون من خلال فورة قصيرة، هذا الانتقال يحتاج الى اجيال والى معاناة ودماء. وهذا ما لم نجده في القصيدة التي قالها سعدي يوسف:&
الآنَ صِرنا بأعلى الجبلْ ؛
للحناجرِ أن تتعالى لتبْلغَ حتى السماءَ
عراقيّةً ...
وأمّا الخناجرُ
فهيَ الكسيرةُ حتى وإنْ تركتْ غِمْدَها المبتذَل .
لا تقُلْ : ليس من أمَلٍ
فالعراقُ المُسَمّى كما شاءَ رَبُّكَ
في ساحةِ اللهِ
سمّيتَهُ
أنت
أنت الأملْ !
برأيي لو كان حذف "في ساحة الله" لخرجت القصيدة أمتن وأجمل. مع أن العمل دفقة سرد ، عزف منفرد، ارستقراطي النزعة غير ملوث بوحل الحرية ولا بدمائها – وللحرية الحمراء باب بكل يد، كما قال أحمد شوقي – وأرى أن الأمل الحقيقي من الثورة ليس بإزالة السلطة أو الاكتفاء بتغيرها بل هو بطرد الرجل الصغير القابع في النفوس الذي يلعب دور الخيانة في النفس العربية ويدفعها دوما الى الكسل والتواكل والاتهام.&