إنَّ أكثر ما يُبعد الناس عن موضوع الاستشارة النفسية، ويجعلهم يأخذون "مسافة أمان" بينهم وبين عيادة الطبيب النفسي، هو خوفهم من فكرة أنهم "مرضى نفسيون". هو الخوف من أن يتمّ وضع الشخص المحتاج إلى استشارة نفسية ضمن دُرْج مكتوب عليه: "مريض نفسيّ"!
والسؤال الذي يطرح نفسه: من هو المسؤول عن هذا الجفاء، بل عن هذه القطيعة ما بين الناس وبين عيادة الطب النفسي؟
هل هو فهم الناس الخاطئ لمفهوم السلامة النفسية؟ أم أنها ممارسات بعض الأطبَّاء التي قد ساهمت في نقل صورة خاطئة عن العيادة النفسية؟
من أجل إماطة اللثام عن الجواب نقول بأنه لا أحد منّا لا يحتاج إرشاداً نفسياً، لأننا لا يمكن لأحدنا أن يكون بمعزل عن المشاكل النفسية والتي تتدرّج حسب شدّتها من "حالة" إلى "عقدة" إلى "مرض نفسيّ" يستوجب العلاج.
بالطبع لا ندَّعي بأن العقد النفسية لا تستوجب العلاج أو الاستئصال، ولكنها تظلُّ أخفَّ وطأةً من المرض النفسي الذي يحتاج إلى عدد جلسات أكبر وإلى علاج عياديّ أطول.
والتدرُّج من "حالة" إلى "مرض" لا يكون فقط من حيث الشدّة، بل من حيث التواتر أيضاً. فعلى سبيل المثال، إنَّ إنساناً يعاني من الشك أو من فكرة تسلُّطية تزوره مرَّة أو مرَّتين في اليوم الواحد، يختلف كليّاً في مسألة علاجه عن إنسان تزوره الفكرة التسلُّطية عشرات المرَّات في اليوم الواحد. ناهيكَ عن الأثر الذي تُحدثه، إضافةً إلى مسألة تشكيلها عائقاً حقيقياً لصاحبها أم أنها تمرُّ مرور الكرام.
ولا تتوقَّف أهمّية العلاج النفسي على من هم بحاجة مباشرة إليه فحسب، بل تتعدَّى ذلك لتطال جميع الناس. فليس هناك إنسان واحد في هذا العالم لا يحتاج إلى الإرشاد النفسي. لذلك كان "علم نفس النصيحة" حلقة الوصل ما بين الناس (أصحاء أو مرضى) وبين الطب النفسي الواسع.
في علم نفس النصيحة لا يوجد ذاك الجدار الجليديّ الذي يفصل ما بين المعالج النفسي والمريض، بل هناك شخص يطلب النصيحة النفسية وشخص آخر يملك هذه النصيحة ومؤهّل لتقديمها.
بتلك الكيفية يتمّ تخطّي شعور الدونيَّة الذي يعاني منه الكثيرون لدى زيارة الطبيب (يُنقَل عن شخص سبق له أن زار عيادة الطبيب النفسي قوله: كنت أشعر وأنا في عيادة الطبيب برهاب شديد وكأني في حضرة الخليفة هارون الرشيد"!!).
إنَّ دور علم نفس النصيحة شبيه بدور الجرعة الـمُخفِّفة. والنصيحة النفسية كافية في تخطّي الكثير من العوائق النفسية حديثة العهد وغير المزمنة، وتفيد في الكثير من الحالات التي لا تستوجب علاجاً نفسيّاً فعليّاً، بل تحتاج إلى شيء من تعديل الأوتار النفسية إذا صحَّ التعبير.

باحث سوري في علم النفس التحليلي